أحمد سالم

أحمد سالم

حالة النقر من خلف الشاشات جعلت من التهجم اللفظي على الناس بأكثر الأساليب دونية؛ أمرًا مقبولًا.

يبدأ الأمر كالمعتاد بضحية يتم نصبها على الصليب يبدو لنا جميعًا أنها تستحق، وأن من فرص الإعلام الجديد هذه القدرة التي أتاحها للناس ليصلبوا من يستحق العقاب حتى الموت، ما دام موتًا اجتماعيًا لا يسيل فيه دم.

مع الوقت وباختلاف تركيب النفوس ومع الإغراء الكبير الذي تقدمه فرصة أن تكون قاضيًا وحاكمًا وناصبًا للمعايير= تتوالى الضحايا التي ننصبها على صليبنا الأزرق، لتتوالى معها موجات من الأذى النفسي والمعنوي لا تطال الضحية فقط، بل تطالها وتطاله ذويها وأحبابها، حتى لربما تفسد حياتها كله، ومستقبلها بأكمله.

ومع الوقت لا يمكن التحكم في بوصلة الصلب هذه، ونجد أمامنا في وقائع متوالية، أشخاص وأخطاء تستحق من العذر أو التفهم أو حتى اللوم أكثر بكثير مما تستحق من التشهير والصلب والرجم الذي يمارسه الناس على مواقع التواصل.

الأمر في نظري يشبه وليمة دموية يجتمع فيها حفنة من مصاصي الدماء معدومي المشاعر فاقدي الإنسانية الذين تمدهم النطاعة بسيل لا ينتهي من التكييفات والتبريرات يشرعنون بها جريمتهم، جريمة فقد التعاطف، وفقد الرحمة، وفقد المروءة، وفقد الديانة.

تدخل على الهاشتاج؛ لتنظر ما هي الجريمة البشعة التي ارتكبها المصلوب الجديد، فيصدمك أنها مجرد خطأ يمكن الاعتذار عنه، أو زلة يمكن تفهمها، أو حتى خطأ يستحق العقوبة والتحذير لكن في حدود ضيقة من مؤهل لهذا يُحسن ألا يعين الشيطان عليه، بل ربما يصدمك أن جريمة المرجوم على صليب نخبة مواقع التواصل الذين يسحبون خلفهم أتباعهم: مجرد تفضيل شخصي لا يحق لأحد الحكر عليه أو محاكمة من اختاره، لكن هناك في زاوية ما، شخص قليل العقل قليل الدين قليل المروءة: اختار أن ينصب صليبه وأن يعد آلة الرجم وأن ينصب ضحيه واختار قوم أن يتبعوا نعيقه ثم سار آخرون في القطيع لا يدرون أي دم تسيله حجارتهم الرعناء.

فر من حفلات الرجم على الصليب هذه، واعلم أنه لا تصدق وتكون في محلها إلا قليلًا، أما غالب أحوالها= فهي دهس للمشاعر الإنسانية، واستخفاف بحق الناس في الرحمة والإعذار والتفهم، فلا يستخفنك الذين لا يعدلون، ولا تكن ممن نراهم اليوم مساكين، وهم يبعثون يوم القيامة فيأخذهم الله أخذه للجبارين الظالمين المتكبرين.

مشاركة

مقتطفات أخرى

• قال الإمام الشافعي: «لَو أنَّ قَومًا أَظهَروا رأيَ الخوارج، وتَجَنَّبوا الجماعات، وأكفَروهم= لَمْ يَحلَّ بذلك قتالهم، بلَغَنا أنَّ عليًّا -رضي الله عنه- سمع رجلا يقول: 'لا حكم إلا لله' في ناحية المسجد، فقال عليٌّ: 'كلمة حق أريد بها باطل، لكم علينا ثلاث: لا نمنعكم مساجد الله أن تذكروا فيها اسم الله، ولا نمنعكم الفيء ما دامت أيديكم مع أيدينا، ولا نبدؤكم بقتال'».

• وفي «أصول النظام الاجتماعي في الإسلام» للعلامة الكبير محمد الطاهر ابن عاشور، المتوفى سنة ١٣٩٣هـ قال: «وفيما عدا ما هو معلوم مِن الدين بالضرورة من الاعتقادات: فالمسلم مُخَيّر في اعتقاد ما شاء، إلا أنه في مراتب الصواب والخطأ. فللمسلم أن يكون سُنِّيًّا -سلفيا أو أشعريا أو ماتريديا-، وأن يكون معتزليا، أو خارجيا، أو زيديا، أو إماميا. وقواعد العلوم وصحة المناظرة تميّز ما في هذه النِّحَل مِن مقادير الصواب والخطأ، أو الحق والباطل. ولا نكفر أحدا من أهل القبلة».

اقرأ المزيد

مات ولد للحسين بن علي فقال: 

إنا أهل بيت نسأل الله تعالى فيعطينا، فإذا أراد ما نكره فيما يحب = رضينا.

اقرأ المزيد