أحمد سالم
والغلبة الدنيوية حين تفوت أهل المقامات العالية من المؤمنين = فهذا من القرح الذي يُبتلى به الناس على قدر دينهم، فمن عظم دينه اشتد بلاءه لكنهم رغم هزيمتهم= هم الأعلون المنصورون حقا وإن لم يغلبوا تلك الغلبة؛ فإن الله مظهر دينه ولابد، معذب أعداءهم ولابد.
ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين، إن يمسسكم قرح فقد مس القوم قرح مثله وتلك الأيام نداولها بين الناس وليعلم الله الذين آمنوا ويتخذ منكم شهداء والله لا يحب الظالمين.
والحقيقة: أن فوات الغلبة الدنيوية وعدم تحصيل أهل المقامات العالية من المؤمنين لها= كثير جدا في تاريخ الإسلام، وليس نادراً أو قليلاً، بل أكثر الغلبة الدنيوية في تاريخ الإسلام لم تكن للأكمل إيماناً ولا للأجيال الأحسن والأفضل.
فالمحكم هاهنا: أن عوامل الغلبة الدنيوية كثيرة متعددة، وتتداخل فيها موازنات شتى، وحكم لله متعددة؛ فإنه سبحانه لو جعل النصر بالسيف للمؤمنين كثيرًا غالبًا= لما كانت الدنيا دار امتحان، وبالتالي: فما يطلقه الناس من معادلات رياضية هنا فإن فعل الله لا يجري على أهوائهم فيها؛ فإن الله لا يعجل لعجلة أحد، وحكمته البالغة تجمع بين الحال والمآل وبين موضع الامتحان في الدنيا وموضع الجزاء الأعظم في الآخرة، ولكن الناس إذا هُزموا فتنوا أنفسهم؛ لأنهم يعبدون السيف ويسبحون بحمد الغالب.
ومن دقائق فقه الوحي: أن النصر مستمر لا ينقطع عن أمة محمد صلى الله عليه وسلم فلابد من طائفة منصورة لا تزال من أمته قائمة على الحق، وقيامها على الحق وإظهار الدين هو ذلك النصر الذي لا يتخلف أبدا وليس النصر الذي لا يتخلف هو الغلبة الدنيوية والتمكين فإن هذا يقع ويزول.
وإن الغلبة المعجلة لفئة معينة في الدنيا تحصل للمؤمن وللكافر وتحصل للأكمل إيمانا والأنقص إيماناً وهي ضرب من النصر شديد القابلية للمتغيرات عصي على المعادلات الرياضية، أما النصر حقاً وصدقا لا يتخلف عن القوم المؤمنين قط فهو ما يكتبه الله للمؤمنين من الفوز في الآخرة والهداية للحق والإيمان في الدنيا والعاقبة لهم على الكافرين ولو بعد حين وقرون وسنين.
ومن أبصر هذه الحقائق التي هنا= نجاه الله من فتنة الذين قالوا: ما وعدنا الله ورسوله إلا غروراً.
مقتطفات أخرى
- في رأس السنة، أسئلة: هو ممكن نحتفل برأس السنة؟
- بعد كده: ممكن نحتفل بالفن داي؟
- بعد كده: صحباتي هيحتفلوا معايا بعيد ميلادي، ينفع؟
بعد كده في عيد الفطر والأضحى بتوع المسلمين عادي تلاقي روح النكد هفهفت عليهم ويبعتوا لك: هو إحنا ليه مش حاسين بفرحة العيد؟!
يقول شيخ الإسلام: ((فإذا أعطيت النفوس في غير ذلك اليوم - عيد المسلمين- حظها، أو بعضه الذي يكون في عيد الله؛ فترت عن الرغبة في عيد الله، وزال ما كان له عندها من المحبّة والتعظيم)).
قلت ويزداد هذا التأثير في الأعياد الدينية المبتدعة وهو مقصود الشيخ.
الصداقة هي جوهر العلاقات كلها وبقدر عافية الصداقة تكون صحة العلاقة.
أبوك، أمك، أخوك، أختك، زوجك، زوجتك، ابنك، ابنتك= كل دول هما أصدقاء بدرجة ما، ولو معدل الصداقة في العلاقة منخفض العلاقة كلها بتنخفض..
وجوهر الصداقة هو الشعور بفهم متبادل للطباع والاهتمامات (فهم وليس تشارك) والشعور بالأمن فلن يُكشف ظهرك أو تُخان أو تُخدع أو تُغش من جهة هذا الصديق، وتشارك الاهتمام وانسجام الطبع يوثق الصداقة لكنها ليس شرطًا لها ولا شرطًا لعمقها فقد تقوى بدونه.
جاء رجل إلى مطيع بن إياس فقال: قد جئتك خاطباً، قال: لمن؟ قال: لمودتك، قال: قد أنكحتكها وجعلت الصداق أن لا تقبل في مقالة قائل.
ولذلك كان جوهر المودة بين الزوجين هو الاحترام وحفظ الحق، ولهذا حين قِيلَ للحسنِ بنِ عليٍّ رضي الله عنهما: «إنَّ لي بِنتًا، فمَن ترى أن أُزوِّجَها له؟» فقال: «زَوِّجْها لِمَن يَتَّقي اللهَ؛ فإن أَحَبَّها أَكْرَمَها، وإن أَبْغَضَها لَم يَظْلِمْها».
والمحبة مع الأذى هي مرض وورم يُصور نفسه شحمًا وعافية، وأعيذك بالله أن تحسب الشحم فيمن شحمه ورم، ولأجل ذلك كان العدو العاقل خير من الصديق المخادع الجاهل، وكان بين القاضي أبي حامد المروروذي وبين ابن نصرويه عداوة، ورغمها كان القاضي يقول عن ابن نصر: والله إني بباطنه في عداوته أوثق مني بظاهر صداقة غيره، وذاك لعقله الذي هو أقوى زاجر له عن مساءتي.
ومما ضيعه الناس من معاني الكلام، معنى النصيحة، فليست النصيحة من ناحية أصلها هي أن تأمر وتنهى، وإنما النصيحة هي أن تكون معي صافيًا لا تغشني ولا تخدعني.
والصداقة فعل إنساني عاطفي، إن توفر بيننا ما يكفي من المروءة الإنسانية والأمن العاطفي فسنوفي الصحبة حقها ولن يضرنا اختلاف أفكارنا.
وكثير من طلب الناس للاتفاق والتوافق في العلاقات منبعه فقد الأمن وخوف الخديعة، فحن نعد الوفاق ضمانة لاعتزاز المودة، والحقيقة أن الوفاق لا يضمن المودة، وأن المودة توجد رغم الخلاف، وشرطها أمر واحد: أن تكون مودة صادقة.
قال أبو محمد ابن حزم:
((محارب بن دثارأحد أئمة أهل السنة، وعمران بن حطان أحد أئمة الصفرية من الخوارج كانا صديقين مخلصين زميلين إلى الحج لم يتحارجا قطّ.
عبد الرحمن بن أبي ليلى كان يقدم علياً على عثمان، وعبد الله بن عكيم كان يقدم عثمان على علي، وكانا صديقين لم يتحارجا قط، وماتت أم عبد الرحمن فقدم للصلاة عليها ابن عكيم.
طلحة بن مصرف وزبيد اليامي صديقان متصافيان، وكان طلحة يقدم عثمان، وكان زبيد يقدم علياً، ولم يتحارجا قط.
داود بن أبي هند إمام السنة وموسى بن سيار من أئمة القدرية: كانا صديقين متصافيين خمسين سنة لم يتحارجا قط.
سليمان التَّيمي إمام أهل السنة والفضل الرقاشي إمام المعتزلة: كانا صديقين إلى أن ماتا متصافيين، وتزوج سليمان بنت الفضل وهي أم المعتمر بن سليمان.
الكميت بن زيد مضري عصبي كوفي شيعي والطرماح بن حكيم يماني عصبي شامي خارجي، وكلاهما شاعر مفلق، كانا صديقين متصافيين على عظيم تضادّهما من كل وجه .
هشام بن الحكم إمام الرافضة، وعبد الله بن زيد الفزاري إمام الإباضية، صديقان مخلصان في دكان وأحد، لم يتحارجا قط)).