أحمد سالم

أحمد سالم

نبهت من قبل على أهمية تمييزك لمنطلقات من يوافقونك في الرأي والموقف ويخالفونك في المصدر المرجعي الذي ينطلقون منه، ومن ذلك مثلا من يناصرون القضية لاعتبارات قومية أو إنسانية.

لكن هل اختلاف المنطلقات يوجب مفاصلتهم؟

هكذا كانت تفكر بعض التيارات التي لا أحب تسميتها، وبطريقتهم هذه ظلموا أنفسهم، وفاصلوا الناس جريًا وراء مثالية لم تتحقق في تاريخنا كله إلا نادرًا= ألا ينصر الحق إلا على يد أنقياء ليس في دينهم غبش.

عن ذي مخبر الحبشي، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم قال: ((ستصالحون الرومَ صُلحًا آمنًا، فتغزون أنتم وهم عدوًّا من ورائهم فتَسلَمون وتَغنمون، ثمَّ تنزلون بمَرج ذي تلول فيقوم رجلٌ من الروم فيَرفع الصليبَ، ويقول: غَلَب الصليبُ، فيقوم إليه رجلٌ من المسلمين فيَقتله، فيغدر القومُ وتكون الملاحِم، فيَجتمعون لكم فيأتونكم في ثَمانين غاية مع كلِّ غاية عشرة آلاف)).

هل كان الروم مسلمين، أو هل وافقونا على كلمة التوحيد قبل أن نوحد كلمتنا معهم في صف قتال واحد؟

الجواب: لا.

هل هذا الحلف المؤقت منع أن نفاصلهم بعده؟

الجواب: لا.

ويقول عليه الصلاة والسلام: ((لقد شهدت مع عمومتي حلفا في دار عبد الله بن جدعان، ما أحبّ أن لي به حمر النعم، ولو دعيت به في الإسلام لأجبت)).

كان هذا الحلف على نصرة المظلوم، ولو دعي إليه رسول الله لأجاب، وهو يفخر به عليه الصلاة والسلام وهو مع قوم مشركين.

فعلام يدلك هذا؟

وأخرى أختم بها: هل بعض من يفكرون كما أفكر هنا، يتورطون ويُخدعون؟

الجواب: نعم.


هل هناك من يتدرعون بهذا الأصل لتبرير انحرافهم وأهوائهم؟

الجواب: نعم


ولا تُجتاز تحديات الحياة بلا مخاطرة، ومن لم يحسن التحالف مع من يختلف معهم= أكلته الذئاب.


وكل ذلك تفعله اختيارًا، أما من اضطر فمساحته في ذلك أوغل وأعمق.

ولو فكرت الفئة المقاتلة التي تناصرونها اليوم كما تفكرون= لما امتلكوا مسمارًا يقاتلون به.

مشاركة

مقتطفات أخرى

ومما يقرأه الناس من القرآن ولا يفقهه كثير منهم:

قول الله تعالى: {أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَن تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِّن نَّخِيلٍ وَأَعْنَابٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ لَهُ فِيهَا مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَأَصَابَهُ الْكِبَرُ وَلَهُ ذُرِّيَّةٌ ضُعَفَاءُ فَأَصَابَهَا إِعْصَارٌ فِيهِ نَارٌ فَاحْتَرَقَتْ ۗ كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ}.

قلتُ: والذي في هذه الآية هو مثل مضروب، ففي الآية رجل آتاه الله خيرًا عظيمًا، عاش فيه وتنعم، ثم كبرت سنه، فهو أحوج ما يكون لاستمرار انتفاعه بهذه الخير، ثم له ذرية ضعفاء فهو أحوج ما يكون لأن يُبقي لهم هذا الخير يتوارثونه فيكفيهم شر السؤال.

ثم إذا بإعصار يحرق جنته ويحرق معها آماله تلك كلها.

وكل هذا الذي تقدم ليس على ظاهره وإنما هو مثل ضربه الله لرجل أنعم الله عليه بالغنى، وهو يطيع الله في هذا المال ويشكر نعمته، ثم إذا بحال طاعته ينقلب إلى معصية يغرق فيها فيكفر النعمة وتغرق تلك الطاعات في بحر المعاصي التي استرسل فيها، حتى أحرقت الذنوب جنة طاعته التي سبقت منه، فليست الآية في جنة احترقت وغنى مال قد زال، وإنما هي في تاريخ طاعة قد ولى وأكله الذنب فما أبقى منه شيئًا، وإن بقى غناه على حاله.

اقرأ المزيد

مخالطة إلى حد التخمة الاجتماعية، ترهق نفسك وتستنزف روحك حتى يريك ضيقك أن الحل في اعتزال الناس، وليس أضر على العبد من انفراد الشيطان به فإنه يزين له سوء رأيه ويُفقده دعم المحبين ونصح الصادقين.
قبل أن تعود الروح فتسأم من انفراد لم يفطرها الله عليه، فإذا بلغ بها السأم مبلغه عادت جوعى للناس فتأكل منهم بشره حد التخمة مرة أخرى، وبين شقي الرحى هذين يفقد الإنسان ميزانه وتضطرب روحه ويضل السبيل.

احفظ هذا:

الأشياء، والأشخاص، والعلاقات، والأزمنة، والأمكنة التي تستخرج منك أحسن ما فيك، هي وحدها التي تستحق أن تسعى إليها، وتتمسك بها وأن تبذل فيها ولأجلها عمرك.

اقرأ المزيد