أحمد سالم

أحمد سالم

لا يمكننا من الناحية المنهجية أن نطالب الدراما بالصدقية التاريخية، لكن يمكننا من نفس الناحية المنهجية أن نبحث عن دوافع عدم الصدقية، هل هي الإغناء الدرامي فقط أم الرؤية الذاتية الحرة للكاتب والمخرج فقط أم الأيدولوجيا الفكرية والسياسية لدائرة أوسع تقف خلف العمل أو على الأقل تراقبه وتتسلط عليه؟

العبقري العظيم عبد السلام أمين، في مسلسلاته التاريخية فارق الصدقية التاريخية مرات كثيرة، لكن معظمها كان للإغناء الدرامي، ومرات نادرة هي تلك التي يمكنك أن تلمح سببًا غيرها.

العبقري الأعظم في نظري وليد سيف، هناك مفارقات للصدق هدفها الإغناء الدرامي لكن هناك مفارقات للأيدولوجيا أيضًا، بمكنك أن ترى ذلك في مسلسل صلاح الدين من خلال: التلميع الرومانسي للخليفة الفاطمي العاضد، وكذلك طمر دور الجيش المصري في فتح حطين (ومكانش دور كبير الحقيقة) وهاتان الخطوتان كانا بتأثير الأيديولوجيا النصيرية التي أنتج المسلسل في ظلها.

مسلسل عمر الذي أنتجته (MBC) دراما لخدمة المرقعة التنويرية وتصوراتها عن الإسلام ودوره كدين، قارنه بعمر بن عبد العزيز لتعلم لماذا قلت إن عبد السلام أمين كان عظيما وعشان برضه تعرف إن أيديولوجيا العلمنة القومية المصرية مكانتش بتدخل كتير وقتها.

أرطغرل، في الحقيقة، التوظيف الأيديولوجي للدراما التاريخية التركية من أجل العثمنة الجديدة= يحتاج لكتاب خاص، لكن هذا المسلسل بالذات ظريف في أنه أوجد تاريخًا معظمه ليس له وجود، لدرجة أنه لا يوجد أي دليل تاريخي (مصدر تقليدي مباشر أو مصدر غير تقليدي) يثبت أن أرطغرل كان مسلمًا، والذي يمكن الركون إليه من الأدلة لا يفيد أكثر من دخول الإسلام لهذه القبيلة في زمن الابن عثمان، والباقي روايات غامضة ومتعارضة، وكثير من الوقائع والنزاعات التاريخية التي أوردها المسلسل إما لا أساس لها وإما مغيرة المعالم لخدمة الغرض الدرامي ومن ورائه الأيديولجيا التركية. وهذا لا ينفي لا وجود تقييم فني ولا أيضًا تقييم أخلاقي أو ديني آخر للعمل.

فيلم المصير ليوسف شاهين؟

هذا عبث خالص لا يمت للتاريخ بصلة وليس مجرد تغيير.

ماركوس أورليوس إمبراطور روماني وفيلسوف عظيم، لكن هل حقًا حصل ما فغرنا أمامه أفواهنا في تحفة ريدلي سكوت جلاديلاتور؟
في الحقيقة لا..
غريب هذا الفن!
كيف يكون ريدلي سكوت في فيلمه: مملكة الجنة، أكثر وفاء للحقيقة التاريخية من مصري عربي (يوسف شاهين) عمل على فيلمه (الناصر صلاح الدين) أساطين الكتابة العربية مثل نجيب محفوظ وعبد الرحمن الشرقاوي؟
على كل حال: حتى هذا الوفاء كان نسبيًا..

الخلاصة: لا يُعاب العمل الفني التاريخي بنقص الدقة التاريخية، 
لكن بشرط أن يكون التغيير الدرامي بهدف الإغناء الدرامي ولا يمس جوهر القيم والأفكار والأحداث الأصلية، وبالطبع لا يُبنى على أهداف أيديولوجية لا صلة لها بالسياق التاريخي للأحداث الأصلية.

مشاركة

مقتطفات أخرى

ميزان النجاح والتوفيق ومعيار قياسه إنما يتحدد بمدى الفجوة التي بين سريرتك وعلانيتك، والعمل على تضييق هذه الفجوة، وصناعة حالة تقارب واتساق بين عالمك الداخلي وخبيئة نفسك وبين ما تظهره للناس من تبني الفضائل والقيم= هو جوهر الاستقامة الإيمانية.

هذا الشخص المتواري في أغوار نفسك، هو الذي ستحاسب عليه، وليس ذاك الغريب المتصنع الذي يعرفه الناس، اعمل على هذا وداوه وأنت تقدر على ذلك، وينتظره ربك منك ويباهي بك ملائكته.

اقرأ المزيد

من الأشياء المزعجة في العلاقات، إن عادي زوجتك تشتكي منك لأهلك أو لأهلها ربع أو نص ساعة (لو كانت قليلة الكلام).
وزوجك يشتكي منك لأهله أو أهلك بنفس الشكل.

والصاحب بيشتكي صاحبه في مكالمة طويلة.

لكن من النادر إن لم يكن من المعدوم إننا نلاقي حد من هؤلاء بنفس الطاقة والدافعية= بيتكلم ربع ساعة عن حسناتك ومميزاتك وما تستحق الشكر عليه.
نفس الأمر مع المولى تبارك وتعالى، نحن نسرف في الشكوى ونبخل بالشكر.

ولأجل ذلك قال الله عما يكون بين الناس: { ولا تنسوا الفضل بينكم} والنسيان الترك فنسيان الفضل يكون في الغفلة عنه وفي ترك ذكره والتحديث به.

ولأجل ذلك قال الله عما يكون بيننا وبينه: { وأما بنعمة ربك فحدث}.

اقرأ المزيد