
أحمد سالم
خلق الإنسان ليخوض رحلة الحياة محملة بأنواع شتى من اختبارات العيش ومحن التجارب؛ لأن هذا هو الطريق الذي اختاره الله لنا لكي نثبت من خلاله أننا نستحق كرامة الإنسانية وما أعده الله للذين أحسنوا حمل الأمانة ورعوها حق رعايتها.
ثم كان من رحمة الله بنا أن جعل التواصي بالحق والتواصي بالصبر والحرص على تبادل النفع= من أعظم ما يعيننا على خوض هذه الرحلة العصيبة.
فما من إنسان منا يقدر أن يستغني عن دعم من حوله ولا عن وقوفهم بجانبه، وما من إنسان منا يقصر في تقديم دعم واجب للذين مِن حوله، إلا وهو آثم يجب عليه من التوبة والاستغفار واستدراك النقص ما يكفر عنه خطيئة التقصير.
ورغم أن الإنسان قد يُبتلى بأهل مقصرين في إعانته ودعمه.
ورغم أن الإنسان قد يجد الدعم والإعانة من أصدقائه وجيرانه والذين يرجون الخير ويعينون الناس من غير سابق صلة.
إلا أن معين الدعم والإعانة الذي لا زال ولم يزل يستعين به الناس في العالم من حولنا، وفي الدنيا منذ كانت= هو دعم الأهل والأرحام وشبكات الروابط العائلية، وسيظل الذين يفقدون زادهم منها أقل بكثير من الذين يفقدون زادهم من مصادر الدعم الأخرى.
لقد كتب الله على الرحم مذ خلقها قدرة لا تنضب على تقديم الحب غير المشروط والدعم غير المنقوص والإعانة التي لا تنقطع، مهما قصر قوم وضيع آخرون ستظل تلك هي الحقيقة الغالبة التي لا تقدر الاستثناءات على مكاثرتها.
لأجل عشرية عمرك الأولى العاجزة، ولأجل عشرية عمرك الثانية المضطربة، ولأجل عشرية عمرك الثالثة الغرورة، ولأجل عشرية عمرك الرابعة الشاحبة ولأجل عشرية عمرك الخامسة الباردة، ولأجل عشرياتك التي تلي ذلك تستعيد فيها عجزك الأول وتخلو فيها حياتك من زحمتها التي عودتك عليها= لأجل كل ذلك يتزوج الناس.
مقتطفات أخرى
كل قرار نتخذه في حياتنا يحمل في باطنه بذرة الخطر، ولا يخلو من ولادة الندم، لكن الذي يسع الإنسان فعله هو أن يعمل بعلم ويترك بعلم، ويسأل الله التوفيق ويصبر على خيبة الأمل، ويتعلم من الخطأ.
تسأل السيدة ف . ف من القاهرة فتقول: إنه قد ترتب على سوء معاملة والدي لي، الذي توفى ولوالدتي؛ مشاكل نفسية، عانيت منها طويلا، ولذلك اضطررت إلى أن أعالج عند طبيب نفسي، واضطر إلى أن أذكر له المعاملة السيئة التي لقيها من والدي، وهذا يؤلم ضميري ... فهل هذا حلال ام حرام؟
الجواب: أولا: ما معنى العلاج؟ إنها كلمة تؤدي معنى المحاولة، فنحن إذا أردنا أن نخلع مسمارًا مثلا، فإننا نحركه أمامًا وخلفًا ويمينًا ويسارًا، ونكرر هذه الحركة لمحاولة الخلع، أو معالجة الخلع.
إذن فالعلاج هو المحاولة للوصول إلى هدف بأسباب .. والطب يعالج ولا يشفي، فهو يحاول أن يأتي بالأسباب، لعل سبيًا يُصيب الداء فيشفى المريض، وعندما عجز الطب عن إدراك سبب عضوي للمرض قالوا عنه: إنه مرض نفسي. أي إن السبب في هذا المرض مجهول لنا.
وتبين لنا بعد ذلك أن كثيرًا من الأمراض النفسية تتسبب عن اختلال في أجهزة الجسم، لكننا لا نعرفها، مثل غدة صغيرة جدا في حجم حبة السمسم، وعندما يحدث اختلال في إفرازها تسبب اكتئابًا نفسيًا أو أي مرض آخر. وقديمًا لم يكن العلم قد توصل إلى أن كل انفعال أو إدراك في الحياة البشرية إنما يترك أثرًا عضويًا على جسم الإنسان، ولكننا لا نعرف تمامًا هذا الأثر، لأن في الإنسان أجهزة بلغت من الدقة حدًا لا نكاد معه أن نتبينها. وإذا اختل توازنها انقلبت الموازين.
فعندما يتعرض الإنسان لصدمة تتأثر تلك الأجهزة، فتنقبض، فإذا استطاع الطبيب أن يتحدث مع المريض ليكشف سبب الصدمة، ويوضح له وهمه، انبسط الجزء المنقبض مرة أخرى.
إذن فإن كل تأثير على الكائن الحي بفيد شيئا في كيمائيته، وقد لا ندرك ذلك في حينه، إلا أنه يحدث فيه اختلالا، ولا ضرر في أن أعالج هذا الاختلال مطلقًا.
وثانيًا، ذكر ما أصاب السائلة من سوء معاملة الوالد المتوفي للطبيب لا ضير منه ما دامت تعتقد بذلك معاونة الطبيب على تشخيص المرض .. والمنهي عنه هو قصد التشفي، أو تبرير عدم البر بالوالد.
الشيخ محمد متولي الشعراوي رحمه الله.