
أحمد سالم
يعرف العبد ربه ويتقرب إليه بما يفعله العبد من الطاعات والقُرب، من طلب العلم والتوحيد والصلاة والصيام والزكاة واصيام والحج إلى آخر شعب الإيمان.
ويحدث للعبد طريق آخر يعرف به الله، ويجد فيه أن قلبه قد اتصل بربه اتصالًا يجد أثره وتزكو به نفسه، وذلك فيما يقع للعبد بغير سعي منه، مثل ابتلاء يخضع به لربه ملتجئًا مفتقرًا، أو ذنب يقع بك فيكسر عُجبك وطول أملك ويقوي خوفك، أو ملاقاة مبتلى أو مريض أو مسكين تُحدث اللقيا في العبد رقة تقربه إلى مولاه، أو كلمة يسمعها العبد أو يقرأها تفجؤه بلا سعي منه فتحدث فيه إيمانًا لم يسع إليه ابتداء.
وهذا الطريق لمعرفة الله والقرب منه طريق لطيف يستحق التدبر والتأمل ويستحق الحمد والشكر؛ وذلك لأنه طريق ساقه الله إلى العبد بغير اختيار منه، فالله هنا يتفضل على العبد تفضلًا خالصُا، واستحضار أن الله تفضل علي بأن أهداني طريقًا يعرفني به ويقربني إليه؛ استحضار هذا المعنى، استحضار معنى الإهداء الإلهي= يُعظم في العبد قدر الله، ويزيد من حسن الظن بالله، كما أنه دواء لجلد الذات والندم المُقعد، فأنت تقول في نفسك: قد علم الله في خيرًا فلذلك أسمعني.
مقتطفات أخرى
هناك ستة محاور ينبغي أن تكون هي عمود نظر الإنسان ومعيار قياس قوله وعمله، على اختلاف درجاتها. وغيرها لا ينبغي أن يكون إلا على الهامش منها.
الأول: التعرف على الله تبارك وتعالى وأسمائه الحسنى، ومظاهر تجلي آثار هذه الأسماء على الخلق والكون، والتواصل مع الطبيعة والكون بعين تتفكر في آثار أسماء الله= باب مهجور من أبواب التعبد والإيمان.
الثاني: الوحي الذي اختص الله به أمة الإسلام؛ ليكون هو الكتاب المحفوظ الباقي حجة على الأمم كلها إلى يوم القيامة.
الثالث: سيرة وأحوال وهدي سيد ولد آدم محمد بن عبد الله عليه الصلاة والسلام.
الرابع: سيرة وأحوال وهدي أنبياء الله، والصفوة المختارة من خلقه وما قصه الله علينا من أخبارهم ليكون فيه عبرة لأولي الألباب.
الخامس: سيرة وأحوال وهدي أولياء الله الصالحين، بداية من الملائكة المقربين وانتهاء بعلماء الإسلام وعباده المشهود لهم بالخير، ومرورًا بعباد الله الصالحين من أولياء الأمم قبلنا كالخضر ولقمان وآسية ومريم ابنة عمران، ووقوف يطول عند أخبار الثلة المباركة من أصحاب نبينا محمد عليه الصلاة والسلام.
السادس: كل حق وخير وحكمة يجدها الإنسان عند كل متكلم بها على اختلاف ألسنة المتكلمين وألوان عقائدهم وأفكارهم، وعلى امتداد تاريخ العالم؛ والحكمة ضالة المؤمن.
يُستمد إحساس الرضا الغالب الذي يسميه الناس السعادة من مصدرين:
ممارسة أفعال اللذة ولو لم يكن لها قيمة معنوية: الطعام، الجنس، اللهو واللعب، لذات الامتلاك والسلطة.
ممارسة أفعال الجدوى والقيمة والمعنى ولو لم تستشعر لذتها: العطاء، الممارسات الدينية الروحية، المسؤوليات الأسرية والاجتماعية.
غالبًا: لا تخلو أفعال اللذة من قيمة ولو محدودة ولا تخلو أفعال القيمة من لذة ولو محدودة، لكن العبرة بالغالب.
الاقتصار على أحد المسارين فقط لا يمكن أن يكفي الإنسان لسعادة مستدامة، بل تغمره مشاعر الألم بعد مدة تطول أو تقصر.
كلما تنوعت المصادر التي يجني منها الإنسان سعادته وجمعت بين المسارين= أمكنه أن يستديم السعادة وأن يستعين بها على مصاحبة الآلام التي لا تخلو منها الدنيا.
الإسلام لا يحارب سعادة اللذة لكن يوضح لك أن متاعها قليل وأن الآخرة أبقى وأكمل:
زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ، قُلْ أَؤُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِنْ ذَلِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ
الإسلام لا يحارب سعادة اللذة لكن يطلب الموازنة بينها وبين سعادة القيمة:
يا حنظلة: ساعة وساعة.
ويطلب أيضًا أن تُجعل اللذائذ خادمة للقيمة لا تُلهيك عنها:
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ.
ويطلب منك أن تجعل اللذائذ خادمة للقيمة بدرجة متوازنة لأن أكثر منها يفسدك فتكون كالمنبت لا أرضًا قطع ولا ظهرًا أبقى:
إِنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا يُؤْتِكُمْ أُجُورَكُمْ وَلَا يَسْأَلْكُمْ أَمْوَالَكُمْ إِنْ يَسْأَلْكُمُوهَا فَيُحْفِكُمْ تَبْخَلُوا وَيُخْرِجْ أَضْغَانَكُمْ هَاأَنْتُمْ هَؤُلَاءِ تُدْعَوْنَ لِتُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَمِنْكُمْ مَنْ يَبْخَلُ وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ.
الإسلام لا يحارب سعادة اللذة لأجل ذلك جعل من نعيم الآخرة سعادة اللذة فوعدنا بنعيم من الطعام والشراب والجنس.
ولأجل كون سعادة القيمة هي الأعلى والأسمى= جعل الله أعظم نعيم الجنة رؤية وجهه الكريم، ولما عبر رسول الله عن هذا لم يجعل سعادة الرؤية في القيمة فحسب وأنك ترى ربك وخالقك وإنما سماها في دعائه فقال: وأسألك لذة النظر إلى وجهك.