أحمد سالم
مهم:
بسم الله والحمد لله:
من الأخطاء الشائعة، توهم الناس أن كل مصيبة تقع بهم فهي عقوبة على ذنب فعلوه، أو سؤالهم، متى تكون المصيبة عقوبة، ومتى تكون رفعة للدرجات وتكفيرًا للذنوب.
وكل ذلك خطأ في فهم أصل المسألة، وبيانها:
أن محكم التنزيل يقضي بأنه: {ما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير}.
ومعنى هذه الآية: أنه ما كان مصيبة فهو ذنب؛ إما ذنب قبله أوجبه، وإما ذنب بعده بعدم الصبر عليه، فهذا هو الذنب المتعلق بالمصيبة، ليس نوعًا واحدًا وهو ما ارتكبته من قبل.
ولا يستطيع العبد أن يميز بين هذين وإنما واجبه أن يستصحب الاستغفار والصبر والشكر في جميع أحواله، فيخشى ذنبه ويرجو رحمة ربه ويشكره على ما فتحه له من أبواب الصبر والخير.
يقول شيخ الإسلام في نص مهم جدًا: ما يصيب العبد من الألم، إما أن يكون بِفِعْلِه: بسبب يفعله، أو بسبب يعلمه، أم لا.
فالأول: هي الذنوب.
والثاني: إما أن يصبر أو لا.
فإن صبر كان ذلك الألمُ في حقه سببًا لمصلحته في الدنيا والآخرة، وإن لم يصبر، كان ترك الصبر ذنبًا، فكان السرُّ من ذنبه أيضًا.
ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه الترمذي مرفوعًا: ((لا يقضي الله للمؤمن من قضاء إلا كان خيرًا، وليس ذلك لأحدٍ إلا للمؤمن، إن أصابته سراء فشكر كان خيرًا له، وإن أصابته ضراء فصبر كان خيرًا له)).
فبيّن صلى الله عليه وسلم أن السراء بالشكر تصير خيرًا، وأن الضراء بالصبر تصير خيرًا، ولهذا كان المبتلى بكائنةٍ ما كانت يُكفَّر بها من خطاياه، فأيتها عقوبة وجزاء، ولا ثواب في نفس المصيبة، فإنها من فعل الله كما جاء ذلك في أحاديث متعددة.
لكن إذا صبر عليها أثيبَ على صبره، وإن جَزِعَ عوقب على جَزَعِه.
فما كان مصيبة فهو ذنب؛ إما ذنب قبله أوجبه، وإما ذنب بعده بعدم الصبر عليه.
وأما ما اقترن به صبرٌ ولم يكن قبلَه ذنب، فليس هذا من المصائب؛ بل هو بمنزلة الجهاد والصيام وسائر الأعمال التي تحتاج إلى صبر)).
ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية: ((ليس كل إنعام كرامة ولا كل امتحان عقوبة)).
نعم. ليس كل امتحان أو ابتلاء يكون عقوبة على ذنب، والإسراف في تقريع الناس في الكوارث والمحن بأن ذلك من ذنوبهم فوق أنه قول على الله بغير علم= ففيه من فقد التراحم والتعاطف والدعم والتعزية والمواساة ما يكشف عن الجهل أو قسوة القلب أو كليهما.
تخيل أن رجلًا مات ولده فذهبت وقمت عند أذنيه فقلت له: هذا البلاء بسبب ذنوبك!
هذا في الحقيقة هو واقع كثير من الناس الذين يضعون الحق في غير موضعه وهم مع وضعهم إياه في غير موضعه قد خلطوه بالباطل أيضًا، فلم يُراعوا المقامات، ولا ب(ماذا) يخاطبون (من).
إنا لله وإنا إليه راجعون، أعان الله المبتلين من إخواننا المسلمين في هذه المحنة الكبرى التي يمرون بها، وثبتهم وألهمهم الصبر وكشف عنهم الضر، وإن من أضر الضراء تكلم أناس بغير علم قد تسلطوا على إخوانهم بالأذى، ولم يهدهم الله إلى الطيب من القول.
الخطاب العام في المحن والأزمات الكبرى يكون بتعزية المبتلين وبمواساتهم وليس بتقريعهم أو القضاء العام عليهم مع اختلاف مراتبهم أنهم أصحاب ذنوب كان هذا البلاء بالذات عقابًا لهم؛ فهذا لا سلطان لأحد يعلمه به، ومسارعة النفوس إليه مع اتساع مجال التعزية والمواساة والتراحم والتعاطف؛ يكاد يكشف عن طوية نفس لا تعرف للرحمة لسانًا.
مقتطفات أخرى
قال ابن سيرين:
وانتدب لهجو المشركين ثلاثة من الأنصار: حسان بن ثابت، وكعب بن مالك، وعبد الله بن رواحة.
فكان حسان وكعب بن مالك يعارضانهم بمثل قولهم في الوقائع والأيام والمآثر، ويذكران مثالبهم.
وكان عبد الله بن رواحة يعيرهم بالكفر وعبادة ما لا يسمع ولا ينفع.
فكان قوله يومئذ أهون القول عليهم، وكان قول حسان وكعب أشد القول عليهم.
فلما أسلموا وفقهوا كان أشد القول عليهم قول عبد الله ابن رواحة.
أراد رجل أن يتفرغ لطاعة الله فقال: وددت لو أني تركت الأسباب وأعطيتُ كل يوم رغيفين، فابتلي بالسجن وكان ترتيب السجن من الزاد: كل يوم للسجين رغيفان.
وسمع من يقول له: طلبت منا كل يوم رغيفين، ولم تطلب منا العافية، فأعطيناك ما طلبت.
لا يستطيع الإنسان أن يستغني عن سؤال الله تفاصيل حاجاته الدنيوية، فنفسه معلقة بالعاجلة، وبما يعجبه، ويغفل الإنسان عن أنه ليس كل ما يعجبه ينفعه.
ورسول الله يقول: ((اتقوا الله وأجملوا في الطلب))، ومن الإجمال في الطلب منزلة يُرجى أن يترقى لها العبد وفيها يقل طلبه للتفاصيل الدنيوية ويتعلق بأدعية الوحي وما فيها من قلة التفصيل للأسباب والأغراض، ويكل أمره إلى الله يكتب له الخير حيث شاء.