
أحمد سالم
من الأفكار البسيطة جدا اللي مينفعش واحد يكون بيتكلم في أي موضوعات فلسفية أو دينية وهو جاهل بيها، أو مش عارف تداعيتها وتطبيقاتها:
إن نظريتك عن المعرفة ومصدر المعرفة، والأسس التي بها تكون رؤيتك الكونية وفلسفتك الأخلاقية ومن أين أتينا ولماذا نحن هنا وإلى أين سنذهب= كل ذلك هو الذي ينعكس على جميع تفاصيل رؤاك وتصرفاتك.
يعني لو أنا شخص بعتقد إن فيه دين حق، وإن هذا الدين الحق لا يستوي مع غيره، ولا يستوي أتباعه مع غيرهم، وهو المقدس الحق وغيره من الأديان المحرفة والفلسفات الوضعية لا يمكن الحكم على ما فيها بأنه حق إلا حكمًا تابعًا لمعيارية الدين الحق الذي أؤمن به.
ممتاز، ده هينعكس على كل حاجة، فهعتقد إن فيه حاجات تجوز لي من حيث كوني مسلما(مثلا)، وإن المصدر المقدس بتاعي أعطاني الحق فيها ولم يعطه لغيري، ونفس التصرفات دي هي هي في الصورة: هعتقد إنها لا تجوز لغيري؛ لأن دينه محرف، وليس معه مصدر مقدس يعطيه الحق فيها، وهو كمان هيعتقد العكس= بالضبط كده هو ده مجرى الحياة منذ خلق الله الناس وإلى أن تقوم الساعة.
سواء بالنسبة لي أو بالنسبة لاعتقاد هتلر في نقاء العرق الآري..
فيه حاجات هي ممنوعة مطلقًا لا يجوز لي فعلها حتى لو هو كان بيعملها وحتى لو كنت أقوى منه وحتى لو كان هو (عندي) كافر وأنا مسلم؛ لأن ديني منعني منها= زي إكراهه على الإيمان أو إفنائه مثلًا.
وتنشأ الانحرافات بين أتباع الحق من تضييعهم لهذه الحدود واعتدائهم على أتباع الباطل بما لم يأذن به الله، ولذلك تبقى انحرافات يجب رفضها وقمعها لكنها لا تلغي مساحة التمييز التي للحق وأتباعه على الباطل وأتباعه.
لكن فيه حاجات أبيحت لي أمرت ألا أسوي فيها بينه وبين المؤمنين.
هتكون حربي العادلة عادلة وحربه هو اللي فاكرها عادلة= آثام وجرايم هتدخله النار.
وهيدخل معاه النار المسلم المنحرف الذي يستغل مفهوم الحرب العادلة ليعلو في الأرض ويفسد فيها ويرهب الخلق بغير الحق، عادي مفيش صك غفران ليك عشان انت مسلم.
هتكون سلطتي في منعه من بعض الأشياء سلطة مقدسة وحقي= وهذه السلطة لو اعتقدها هتكون سلطة ظالمة آثمة لأن ممعاهوش مصدر مقدس بيها.
أنا جهاد وفتح وهما احتلال وعدوان.
آه لأن الأرض لله ومحدش معاه سلطة من الله على الأرض إلا من معهم دين مقدس سالم من التحريف.
[قُم يا عمرُ فأجِبْهُ فقُل : اللهُ أعلَى وأجَلُّ . لا سَواءَ . قَتلانا في الجنَّةِ وقتلاكُم في النَّارِ ]
كونك بأه ممكن تكون ضعيف متعرفش تستخدم التصرفات دي، وهو يقدر= فدي برضه سنة الله في الأرض، ممكن تسكت وتعفو وتفوت، وتسيب الكفار يعبدوا الأصنام في الكعبة وانت تروح تطوف جنبها عادي= وأول ما تقدر بتدخل وبتكسرها من حوالين الكعبة، رغم إنك لما منعوك من العبادة= وصفتهم بالصد عن سبيل الله .
آه: فعلهم هم صد عن سبيل الله.
هدمي لأصنامهم: هو تدمير للشرك بالله رغم إنهم هما بيعتقدوه صد عن سبيل الله.
ده الطبيعي.
ببساطة: الله مولانا ولا مولى لهم.
وهنا السلطة القيمية في الأفعال والتصرفات مش هتكون راجعة لمين يقدر ينفذ وإنما ببساطة: لمين شايف إن معاه مصدر مقدس أباح له هذا التصرف، الفعل والقوة في تفعيل القيمة= هو اللي هيكون راجع للقدرة من عدمها مش سلطة صوابية الفعل هي اللي راجعة للقدرة، ومينفعش ترغي في الكلام ده وانت مش قادر تفهم الفرق بين الاتنين.
طيب ما كله شايف إن معاه السلطة دي ومصدره صح؟
آه. وده الطبيعي ومحنة الابتلاء في العالم مذ كان لآدم ولدين فقتل أحدهما الآخر، وقبلها إبليس نفسه 🙂
وعشان كده فيه آخرة هتقول للي كانوا شايفين كده وهما هُبل: أهلا وسهلا بحضراتكم انتم لبستم في الحيطة وهتخشوا النار.
ييجي واحد بأه يريد إنه يحاكم التطبيقات المبنية على اللي فات ده على أساس منظومة تانية شايفة كل الناس حلوين وسواسية ويلا حبوا بعض، ولا يوجد حد معه الحق، ولا يوجد مقدس يستحق اسم المقدس، ومحدش عارف الصح فين، وربنا يولي من يصلح= ده ببساطة يبقى مش فاهم هو بيحكي في إيه أصلا.
مع إيماني المطلق بما فات، إلا أني مؤمن أيضًا بأن البشر الذين يستطيعون حمل الحق بحق، يحقون الحق ويرحمون الخلق ويعدلون فيهم= قلة قليلة نادرة، أنا نفسي عادي جدًا ييجي واحد مسلم يطبق اللي فات علي ويديني استمارة ستة، بس في النهاية الواقع المعرفي يستفيد من تعقيدات التجربة الحياتية ويتكيف معها لكنه لا يبدل نفسه ولا يحرفها؛ لأجل ندرة من يوفونه حقه ويقومون به لا يبغون في الأرض علوًا ولا فسادًا، وستبقى العاقبة للمتقين.
مقتطفات أخرى
موجز في قضية كفار أهل الكتاب وأشباههم وإمكان إعذارهم:
في قضية الكفار في الدنيا من أهل الكتاب وغيرهم الذين لم يثبت لهم عقد الإسلام= عندي أربع محكمات وموضعان للنظر:
أما المحكمات الأربع فهي:
الأولى: أن كل من لم ينطق الشهادتين= فإن الحكم عليه في الدنيا يكون بالكفر، وإذا مات= فتطبق عليه أحكام الكفر الظاهرة بلا استثناء.
هذه الأولى متعلقة بالحكم الظاهر الدنيوي لا يستثنى منها أي نوع أو صنف من الكفار تحت أي ظرف من الظروف.
الثانية: أن كل كافر في الدنيا من هؤلاء لم يسمع قط برسالة محمد صلى الله عليه وسلم، بأي نوع من أنواع السماع= فإن الله يعذره في الآخرة ولا يؤاخذه بكفره الذي كفره في الدنيا.
الثالثة: أن كل من سمع برسالة محمد أي نوع من السماع، صحيحاً أو مشوهاً، فلم يطلب بينته وحاله، ولم يبحث عن هذا الدين ما هو، وإنما أعرض وتولى أو بحث بحثاً مفرطاً عابراً= فهذا يكون كافراً في الدنيا كما أن مثله لا يعذره الله في الآخرة بل هو من جملة المعرضين غير المعذورين.
الرابعة: أن كل من سمع برسالة محمد أي نوع من السماع، فتحرك لطلب الحق وأراد معرفة هذا الدين ما وحيه وما نبيه وسلك سبيل بذل الوسع في هذا، ثم عاقه عائق معجز ضيق عليه الوقت أو القدرة كموت أو جنون وما يقاربهما= فإن الله يعذره في الآخرة ولا يؤاخذه بكفره الذي كفره في الدنيا.
هذه هي المحكمات الأربع، وأساس إحكامها أن أحكام الإسلام الدنيوية الظاهرة لا يثبت واحد منها لمن لم ينطق الشهادتين، وأن كل من سمع بالنبي صلى الله عليه وسلم ولم يؤمن به فهو كافر، وأن السماع الذي يثبت به كفر الآخرة ويُستحق به العذاب هو سماع البلاغ الذي تقوم به الحجة، وأن الحجة تقوم بمجرد ظهورها بحيث يتمكن من بلوغها من استفرغ وسعه في البحث عنها، وأن من بحث عنها فأعاقه دون البلوغ عائق مُعجز فإن الله يعذره.
أما محال النظر والبحث في هذا الباب فمسألتان:
الأولى: هل يمكن أن يستفرغ الإنسان الكافر وسعه في البحث فلا يهتدي؛ لأجل عوارض وشبه لم يجد جوابها رغم بحثه الشديد، وبالتالي يعذره الله، أم أن كل من استفرغ وسعه لابد أن يهتدي، ولا يتأخر الاهتداء إلا لنقص في استفراغ الوسع أو لهوى، وبالتالي من لم يهتد للإسلام مع البحث فإنه لا يعذر ويكون كذابا في دعوى استفراغ الوسع أو دعوى التخلص من الهوى؟
أثار شيخ الإسلام هذه المسألة مرتين، مرة لم يقطع فيها بجواب، ومرة اختار فيها أن بينات صدق النبي ظاهرة بحيث إن من استفرغ وسعه= فلابد أن يهتدي، وبالتالي لا يُعذر في الآخرة من كانت هذه حاله.
والمسألة عندي مشكلة تحتاج إلى بحث ولا ترجيح عندي فيها.
الثانية: من يعذره الله في الآخرة، فلا يعاقبه على الكفر الذي كان في الدنيا، هل يعني ذلك أنه يدخل الجنة أم أن هناك امتحان آخر يمتحنه الله له في الآخرة وعلى هذا الامتحان يترتب الثواب والعقاب؟
والكلام في هذه المسألة مبني على حديث الذين يمتحنون يوم القيامة وهل يمكن أن تُخرج عليه هذه الصورة أم لا..
هذا موجز النظر في هذه المسألة، وبسطه وشرحه في مقام آخر بإذن الله.
والناس يظنون أن البلاء خير للمؤمن، وأعينهم تشير إلى حظ من الدنيا يأتيهم يسمونه العوض.
وهذا شكل آخر يُضم لأشكال متكررة من تعلق الإنسان بالعاجلة.
فالله عز وجل يثيب في الدنيا أحيانًا، ولكن هذه الإثابة نفسها هي بلاء آخر وليست هي الخير الذي في الحديث.
فبلاء المصيبة خيره في تحريكه الإنسان لعبودية الصبر، وبلاء النعمة خيره في تحريك الإنسان لعبودية الشكر.
فليس بعد البلاء حظ من الدنيا ولا عوض ترجوه حتمًا، قد يحدث هذا وتكون ساعتها نعمة تستوجب الشكر وذاك بلاء جديد، وقد لا يحدث هذا وتكون ساعتها مصيبة تستوجب الصبر وذاك بلاء جديد.
والله سبحانه يقول لنبيه: فإما نرينك بعض الذي نعدهم أو نتوفينك فإلينا مرجعهم ثم الله شهيد على ما يفعلون.
وقضاء الله في الإنسان يدور كله حول تعريض الإنسان لفصول الامتحان التي تستفز فيه طاقة العبودية لتبلغ به مرتبة الكمال التي يباهي الله بها ملائكته ويجزي بها عبدَه الجنة.