
أحمد سالم
في مرحلة ما تتكون لديك معرفة ما ورؤية ما حول شيء ما.
ثم تظل بعدها تستمع وتقرأ وتشاهد أولئك الذين يؤكدون لك هذا الذي بُني لديك في تلك المرحلة، وغالبًا ما ستكره وتنفر من كل من يخبرك بخلاف ذلك.
وقد تتعرض لظرف ما يجعلك تقلب منظورك لتبدأ بعدها في متابعة الذين يؤكدون لك هذا المنظور الجديد؛ وأكثر الناس تغير التجارب قناعاتهم ولا تغيرها الحجج، ولا الجدل.
في كل مرحلة من هذه المراحل أنت تقوم بتحميل نسخة مكررة أو مطورة من نظام التشغيل، أما المكونات الجوهرية لعمليات تكوين المعرفة والرأي فهي ثابتة، تقوم على طرق ومنهجيات سطحية وعجولة ومختزلة، قرص صلب ضئيل المساحة المعلوماتية ومعالج بيانات ساذج القدرة.
مهما غيرت السوفت وير فلن تكتسب سوى تنويعة أخرى على نفس اللحن؛ لأن المشكلة ليست هنا، المشكلة وموضع العمل هناك، في المعدن والأساس الذي يتم خلط تلك المكونات بداخله، بنية الشخصية القديمة بعوارضها النفسية وما جبلها الله عليه وما غرسه فيها مربوها، كيف تفكر وكيف تعمل وكيف تهتدي، هذه البنية العميقة هي موضع العمل، أما من بدل فيما فوق ذلك فقلما يغنيه تبديله.
مقتطفات أخرى
يتعلم الإنسان أشياء كثيرة عن نفسه وعن الناس وعن العالم، لكن قدرته على السيطرة والتحكم لا تتناسب أبدًا مع هذه المعرفة فهو لا يسيطر سوى على القليل جدًا، فتظل دائرة المعرفة تتسع ودائرة التحكم تضيق، ومن هذا التباين يتولد واحد من أعظم التحديات الإنسانية:
كيف تجمع نفسك على ما هو داخل دائرة تحكمك، وكيف تقطع طمعك عما هو خارج دائرة تحكمك؟
كيف تقبل أن تعرف وتعجز عن التأثير، أن تعلم وتعجز عن التغيير، كيف تقبل محدوديتك وتتصالح معها؛ لتستطيع صرف طاقتك إلى ما سيسألك الله عنه حقًا؟
ومن عبارات السلف التي تحاول تقديم خلاصة للتعامل مع هذا التحدي، قولهم: لا تتولوا ما كفيتم ولا تضيعوا ما وليتم.
وفي دعاء السكينة: اللهم امنحني السكينة لأتقبل الأشياء التي لا أستطيع تغييرها، والشجاعة لتغيير الأشياء التي أستطيع تغييرها، والحكمة لمعرفة الفرق بينهما.
و قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : لا بُدّ من التوكل على الله فيما لا يُقدر عليه ، ومن طاعته فيما يُقدر عليه .
شخصيتك والحياة، هذه المعادلة تشبه إلى حد ما التدريب في كرة القدم، يتسلم المدرب عددًا من اللاعبين، المدرب هنا موظف مثل مدربي فرق المدارس، لا يمكنه التحكم في نوعية اللاعبين فحتى لو اختار فهو يختار من شريحة الطلبة الذين أمامه.
رغم ذلك فالمطلوب من المدرب أن يصل بهذا الفريق ليس إلى أحسن مستوى في العالم وإنما إلى أحسن مستوى يمكن بحسب طاقتهم أن يبلغوه.
فريقك الشخصي معظمه لم تختره، جيناتك، بيئتك، صنعوا جسدك ونفسك وتكوينك العقلي والروحي، تتسلم أنت هذا الفريق في مرحلة سنية تبدأ فيها السعي للتفرد، وتبدأ في الوعي بمسؤوليتك الحياتية، وهنا تأتي أهمية استيعاب دلالة استعارة المدرب والفريق:
المطلوب منك هو أن تكون أحسن نسخة من نفسك، يومًا بعد يوم تجاهد لأجل بلوغ هذه الغاية، تخفق وتصيب، لكنك تجتهد في ألا تزل قدمك عن طريق الغاية، تتطور تتغير تبدل الطرق، لكنك تتحرك دومًا تجاه غاية واحدة، رضا الله والجنة، وأن تُري الله منك ما يحب.
أنت وذلك المدرب تأخذون بيد فريقكم نحو مسابقته الخاصة، يُسابق نفسه لا الناس، وإن فعل كل منكم ذلك فسيكون مع فريقه أبطالًا، سواء كانوا ريال مدريد أو نادي أسوان بطل دوري الدرجة التانية أو مركز شباب مغاغة بطل دوري الدرجة الرابعة، جميع هؤلاء أبطال، يُقارنون بأنفسهم فقط لا بأحد آخر.
وهم أبطال لأنهم يفوزون بعشر بطولات رغم أنهم خسروا في المقابل الكثير، ولكن الحياة لا تقاس بعدد الإخفاقات وإنما تقاس بالريمونتادا، الريمونتادا أهم من كل شيء.