
أحمد سالم
ما هي صفة الحجاب الشرعي والزينة التي يجوز إبداؤها لغير المحارم؟
زينة المرأة المباحة (فمن اتقاها فلا حرج) وحجابها الواجب (فمن لم يزد عليه فلا حرج):
إن الشريعة (في القول الذي نختاره) لا تمنع ظهور زينة المرأة ولا تمنع أن تكون لها زينة تلفت بدرجة ما، وإنما تأذن في ظهور زينة معينة ودرجة معينة من اللفت، وتمنع مما فوقها؛ لأن طريقة الشريعة فيما تتشوف له النفوس أنها تنظمه وترشده ولا تعدمه، والمرأة بطبيعتها تحب الحلية والزينة، وتخاطب بذلك الناظر بقواعد وأحكام النظر.
والمختار فيها هو ما ذكره أبو المظفر السمعاني بقوله : ((يجوز النظر إلى وجه المرأة وكفيها من غير شهوة، وإن خاف الشهوة غضّ البصر، واعلم أن الزينة زينتان: زينة ظاهرة، زينة باطنة؛ فالزينة الظاهرة هي الكحل والفتخة والخضاب إذا كان في الكف، وأما الخضاب في القدم فهو الزينة الباطنية، وأما السوار في اليد، فعن عائشة أنه من الزينة الظاهرة، والأصح أنه من الزينة الباطنة، وهو قول أكثر أهل العلم، وأما الدملج والمخنقة والقلادة، وما أشبه ذلك= فهو من الزينة الباطنة، فما كان من الزينة الظاهرة يجوز للأجنبي النظر إليه من غير شهوة، وما كان من الزينة الباطنة لا يجوز للأجنبي النظر إليها، وأما الزوج ينظر ويتلذذ، وأما المحارم ينظرون من غير تلذذ)).
وفي تفسير ابن المنذر عن أنس بن مالك قال: «الكحل والخاتم». قال ابن حزم: «هذا عنه في غاية الصحة».
وعند ابن أبي شيبة بإسناد صحيح عن عطاء قال: «الزينة الظاهرة: الخضاب والكحل».
وروى ابن معين في فوائده بإسناد صحيح عن عكرمة قال: «ثيابها وكحلها وخضابها».
وروى الطبري في تفسيره بسند صحيح عن مجاهد: «الكحل والخضاب والخاتم».
وعنده أيضا بإسناد صحيح عن قتادة قال: «الكحل والسواران والخاتم».
وعن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم قال: «الكحل والخضاب والخاتم. هكذا كانوا يقولون. وهذا يراه الناس» وإسناده صحيح.
وتأمل قوله: هكذا كانوا يقولون ومقصده بها السلف مش مجرد قول قديم كده منسوخ محدش يعرفه، وتأمل قوله: وهذا يراه الناس.
وعليه فإن الزينة المباحة للمرأة والمأذون في إظهارها أمام الأجانب، طالما المرأة ليست في عدة وفاة:
(1) اللباس وهذا باتفاق الفقهاء ولا يمنع من ألوان معينة فيه، بل كل الألوان فيه مباحة إلا ما كان ملفتا لفتا زائدا عن المعتاد فيُكره ويرجع في تقديره للعرف.
وثبت عن الصحابيات لبس كثير من الألوان وقال التهانوي بعد سرد هذه الأحاديث: ((وفيه دلالة على جواز لبس المرأة ما أحبت من الألوان).
ولذلك كان ترك الألوان من الحداد الشرعي وليس هو الحالة الطبيعية.
(2) الوجه والكفان عند جماهير الفقهاء.
قال القاضي عياض: ((في هذا كله عند العلماء حجة أنه ليس بواجب أن تستر المرأة وجهها، وإنما ذلك استحباب وسنة لها، وعلى الرجل غض بصره عنها. وغض البصر يجب على كل حال في أمور: كالعورات وأشباهها. ويجب مرة على حال دون حال مما ليس بعورة؛ فيجب غض البصر إلا لغرض صحيح من شهادة أو تقليب جارية للشراء، أو النظر لامرأة للزواج، أو نظر الطبيب، ونحو هذا... ولا خلاف أن فرض ستر عورة الوجه مما اختص به أزواج النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ منذ نزل الحجاب)).
.
(3) ويزاد عليهما جواز ظهور القدمين خارج الصلاة فيما أختاره وهو مذهب الأحناف، أما داخل الصلاة فكشفهما هو مذهب الأحناف والمزني من الشافعية واختيار ابن تيمية.
يقول الإمام الكاساني الحنفي: ((والمراد من الزينة مواضعها، ومواضع الزينة الظاهرة الوجه والكفان، فالكحل زينة الوجه والخاتم زينة الكف، بكشف الوجه والكفين، فيحل لها الكشف. وهذا قول أبي حنيفة - رضي الله عنه -. وروى الحسن عن أبي حنيفة - رحمهما الله - أنَّه يحل النظر إلى القدمين أيضًا. وجه هذه الرواية ما روي عن سيدتنا عائشة - رضي الله تعالى عنها - في قوله - تبارك وتعالى -: {إلا ما ظهر منها} [النور: 31] القلب والفتخة. وهي خاتم إصبع الرجل فدل على جواز النظر إلى القدمين. ولأنَّ الله - تعالى - نهى عن إبداء الزينة واستثنى ما ظهر منها، والقدمان ظاهرتان ألا ترى أنَّهما يظهران عند المـشي؟ فكانا من جملة المستثنى من الحظر، فيباح إبداؤهما)).
(4) الكحل
قال الطبري في تفسير الزينة الظاهرة المباح كشفها أمام غير المحارم: وأولى الأقوال في ذلك بالصواب : قول من قال : عني بذلك : الوجه والكفان يدخل في ذلك إذا كان كذلك : الكحل والخاتم والسوار والخضاب.
(5) ونزع شعر الوجه، والأخذ من الحاجب بما يزيل قبحه بلا إسراف في الأخذ.
قال الإمام النفراوي في شرح الرسالة: ((والتنميص هو نتف شعر الحاجب حتى يصير دقيقا حسنا، ولكن روي عن عائشة - رضي الله عنها - جواز إزالة الشعر من الحاجب والوجه وهو الموافق لما مر من أن المعتمد جواز حلق جميع شعر المرأة ما عدا شعر رأسها، وعليه فيحمل ما في الحديث على المرأة المنهية عن استعمال ما هو زينة لها كالمتوفى عنها والمفقود زوجها.
(6) الأسورة، من زينة اليد بشرط عدم تعمد ظهور الصوت عند تحريك اليد.
(7) خضاب اليد وتلوينها، ويدخل فيه النقش كالتاتو بالرسم والتلوين وليس الوشم، والتطريف كالمانيكير لكن بعض العلماء كره النقش والتطريف؛ لأنه قد يلفت النظر بصورة زائدة، والمختار عدم الكراهة،.
قال ابن جزي: ((ويجوز لها أن تخضب يديها ورجليها بالحناء وأجاز مالك التطريف وهو صبغ أطراف الأصابع والأظافر)).
مقتطفات أخرى
بسم الله والحمد لله..
تنبيه مهم: كل ذكر لليهودية والمسيحية هنا فالمراد بهما يهودية ومسيحية الكتاب المقدس الذي بين أيدي الناس اليوم.
لدينا تقابل وصراع قديم بين نمطين للتدين، أهل الشريعة في مقابل أهل الحقيقة.
النمط الأول يعطي فوقية وأولية للتشريعات والقوانين والأمر والنهي والطاعات والمحرمات مع تغلييه وتركيزه وإشاعته للنهي عن المحرمات وتعليقه لتدينه بمدى التحريمات التي ينتهي عنها، وهذا النمط هو الغالب على اليهودية، والغالب على بعض الفقهاء وهو الذي ورثته بعض التيارات الإسلامية، ويسميه شيخ الإسلام ابن تيمية: الموسوية، كناية عن اليهودية وما حملته من الآصار والأغلال، ويذكره كثيرًا عندما ينكر تشديدات الفقهاء.
والنمط الثاني: كره هذا الإطار القانوني الذي يسميه العهد الجديد: الناموس، ووجه تركيزه لبناء الصلة الروحية القلبية، وتطهير الباطن مع الاكتفاء بالإطار العام لمنهيات الوصايا العشر دون الإغراق في تفاصيل المنهيات تاركًا للصلة الروحية أن تعمل عملها في توجيه بوصلة الطاعة، مع إنكار واضح على الفريسيين وهم الاتجاه اليهودي المشدد على التحريمات والقوانين، وسماهم عيسى: الجيل الفاسد، غلاظ القلوب، وحكى عن نبوءة اشعيا قوله عن اليهود: هذا الشعب يكرمني بشفتيه وقلبه بعيد عني.
وهذا الاتجاه هو الذي ورثته طوائف من الصوفية، ويشيع في المتخففين من الالتزام بالتكاليف من العامة ونحوهم (ربك رب قلوب).
وهذا الاتجاه يسميه شيخ الإسلام: العيسوية، ويذكره كثيرًا في نقده للتصوف.
وهذا التقابل برجع في الحقيقة للطبع الإنساني، الذي يتوزع فيه الناس بين قابلية الغلو وقابلية الرقة والتساهل.
والاكتمال والاعتدال الذي يمثله الإسلام الدين الحق الذي ينبغي أن يطلبه الناس متجاوزين تلك الانحرافات التاريخية هو الجمع بين الإيمان الذي فيه تجاوز للانحرافات العقدية، والإسلام الذي فيه الالتزام بالتشريعات مع تعظيم جانب التزام الطاعات، والإحسان الذي فيه النفاذ إلى عمق التشريعات وغايتها أي تطهير الباطن وعقد الصلة بالله التي تجعل صلاتك تحقق نظامها الخارجي ثم تتجاوزه بعد ذلك إلى الغاية الكبرى وهي الصلة بالله كأنما أنت حين تقوم تصلي: ترى الله.
وطلب هذا الاكتمال والاعتدال رحلة طويلة يخوضها الإنسان مدة عمره، فيصيب تارة ويخطيء أخرى، لكنه متى وعى أن التشريعات هي الشكل الإجرائي الذي أراده الله وسيلة لمقام الإحسان= فقد امتلك خارطة الطريق وبوصلة الاتجاه.
ﻭﻣﻤﺎ ﻳﻨﺒﻐﻲ ﺃﻥْ ﻳُﻌﻠﻢ ؛ ﺃﻥَّ اﻟﻠﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﺑﻌﺚ اﻟﺮﺳﻞ ﻭﺃﻧﺰﻝ اﻟﻜﺘﺐ ﻟﻴﻜﻮﻥ اﻟﻨﺎﺱ ﻋﻠﻰ ﻏﺎﻳﺔ ﻣﺎ ﻳﻤﻜﻦ ﻣِﻦ اﻟﺼﻼﺡ، ﻻ ﻟﺮﻓﻊ اﻟﻔﺴﺎﺩ ﺑﺎﻟﻜﻠﻴﺔ؛ ﻓﺈﻥَّ رفع الفساد بالكلية ﻣﻤﺘﻨﻊ ﻓﻲ اﻟﻄﺒﻴﻌﺔ اﻹﻧﺴﺎﻧﻴﺔ؛ ﺇﺫ ﻻ ﺑﺪ ﻓﻴﻬﺎ ﻣِﻦ ﻓﺴﺎﺩ.
ابن تيمية.