أحمد سالم

أحمد سالم

في صور ناسا الأخيرة هناك نوع من الانبهار الطبعي، أو النابع من مسايرة الجو العام..

وهناك نوع آخر لا يجد في نفسه تأثرًا بالذي يرى، وهذا شيء طبعي لا يستطيع الإنسان أن يتكلف ضده، وأحيانًا ينبع هذا من كراهية مصدر المنجز العلمي أو كراهية الهيصة اللادينية التي قد تصاحبه..

وهذا النمطان معًا يعبران عن غياب وهجر عبادة جليلة من العبادات الإسلامية، وهي عبادة التفكر والتأمل في بديع خلق الله عز وجل، وهذا التفكر والتأمل يحصل بالنظر العامي الفطري شريطة أن يعطي الإنسان لذلك حقه من القصد والوقت والحضور الذهني والنفسي، ولا يتركه ليأتي عفوًا كيفما اتفق، وهذا التأمل العامي الفطري هو الذي يدعو له الوحي في كثير من الآيات.

ويحصل بصورة أخرى عن طريق تحصيل أدوات العلم والمعرفة بشيء من تفاصيل ذلك، وهذا النوع هو الذي تجده في قول الله: {ألم تر أن الله أنزل من السماء ماء فأخرجنا به ثمرات مختلفا ألوانها ومن الجبال جدد بيض وحمر مختلف ألوانها وغرابيب سود، ومن الناس والدواب والأنعام مختلف ألوانه كذلك إنما يخشى الله من عباده العلماء إن الله عزيز غفور}.

والعلماء هنا كما يقول ابن عطية هم: ((المحصلون لهذه العبرة الناظرون فيها)).

فالتدبر والفكر والتأثر فروع تزيد بزيادة المعرفة والفهم والفقه، وكثير من المنتسبين لعلم الدين حصلت عندهم نفرة من العلوم الطبيعية إما بسبب مصدرها وإما بسبب توظيف السوء لها، وليس الطريق هنالك..

إن طلب المعرفة بطرف من علوم الكون وعلوم الإنسان وعلوم الحيوان، وتخلية الوقت مع حضور الذهن والقلب والنفس والروح= لمما يزيد في الإيمان بالله وخشيته وتعظيمه: {هذا خلق الله فأروني ماذا خلق الذين من دونه}.

لا أقول لك هذه كتب كذا وكذا تعلمك ذلك، فنحن في عصر الصورة، وهناك وفرة ظاهرة في المواد الفيلمية المصورة التي إذا نظرت إليها بقلب حاضر وجدت أثر ذلك في نفسك، مع كون الكتب تساعد وتنفع وتزيد الفقه.

وإن من أكثر آيات القرآن فضلًا خواتيم آل عمران خاطب الله بها المسلم والكافر وفي مطلعها: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ (190) الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (191) رَبَّنَا إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ}.

وانظر إلى فعل التدبر المقصود من رسول الله هنا:
عن ابن عباس أن رسول الله ﷺ خرج ذات ليلة بعد ما مضى ليل، فنظر إلى السماء وتلا هذه الآية: إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ [آل عمران:190] إلى آخر السورة ثم قال: اللهم اجعل في قلبي نورا، وفي سمعي نورا وفي بصري نورا، وعن يميني نورا، وعن شمالي نورا، ومن بين يدي نورا، ومن خلفي نورا، ومن فوقي نورا، ومن تحتي نورا وأعظم لي نورا يوم القيامة.

مشاركة

مقتطفات أخرى

ليست زهرة الدنيا بالضرورة مكافأة، ولا قسوتها عقابًا..

في القرآن: امتنان الله على قريش وعرب مكة في جاهليتهم وكفرهم بأنه أنعم عليهم بالأمن وأنه تٌجبى إليهم ثمرات الدنيا وزهرة تجارات الأمم.
وفي نفس القرآن خطاب الله للمؤمنين بأنه سيبتليهم بالخوف والجوع ونقص الأنفس والأموال والثمرات.

ليست سراء الدنيا بأهون ابتلاء من ضرائها، ولربما كان نعيم الدنيا جسرًا يقود إلى جحيم الآخرة، فأي شيء ينتفع به من أنعم الله عليهم بالأمن والعافية إذا ضيعوا شكر ربهم وضلوا الحق وأضلوا الخلق؟!
وأي شيء يضر من مستهم البأساء والضراء وزلزلهم الخوف ومسهم الجوع والقرح= إذا صبروا وعرفوا لله قدره وللدنيا قدرها وأن غمسة في الجنة تنسي كل شقاء؟!

اقرأ المزيد

البشر الإنسانيين (الخيرين) أقلية، وربما سوف يظلون أقلية دائمًا. ومع ذلك فهذه الحقيقة بالذات هي التي تتحدى كل واحد منا للانضمام للأقلية.

الأمور سيئة، ولكن ما لم نبذل قصارى جهدنا لتحسينها؛ فإن كل شيء سوف يصبح أسوأ.

فيكتور فرنكل.

اقرأ المزيد