أحمد سالم

أحمد سالم

للدكتور عبد الوهاب المسيري رحمه الله في مقدمته لكتاب اليهود أنثروبولوجيًا لجمال حمدان= نص جميل في شجب الكتابة الأكاديمية منزوعة الهم القيمي والرسالي، الكتابة الباردة التي تتخذ البحث العلمي وسيلة وغاية، وليس وسيلة تدور في فلك غايات قيمية ورسالية أكبر منها.

هذا المعنى عظيم جدًا، وغياب الغاية القيمية والبعد الرسالي هو أحد التفسيرات المهمة لوجود تضخم في البحوث والدراسات الإسلامية دون انعكاس على واقع المجتمعات بل وحتى دون انعكاس على واقع أولئك الباحثين.

من جهة أخرى: يتم توظيف الرسالية وضرورة توفرها وتوفر المحيط القيمي كفضاء ضروري للعمل البحثي= يتم توظيف ذلك كشعار يُداري كون الباحث مجرد مثقف تيار، يدعم تحيزات وتوجهات هذا التيار أو التنظيم بكتابته، لا يختلف كثيرًا عن أي مثقف سلطة يدعم توجهات وتحيزات تلك السلطة عن طريق طيلسان البحث العلمي.

وتقوم هذه الفئة الأخيرة بتوجيه تهمة غياب البعد الرسالي لكل من يكتب بموضوعية علمية يحاول فيها القيام بالقسط ولو على نفسه وعلى من يشاركه الانتماء الإسلامي العام، لكنهم في نظر الباحث الموضوعي يقعون في تحيزات فاسدة وتحريرات غير عادلة لمذاهب خصومهم ودعم غير علمي للحجج التي تؤيد مذاهبهم هم.

والذي أريد تلخيصه هنا:

الرسالية ليست ضدًا للموضوعية التي تتحرى التنزه عن التحيز المذموم، الرسالية هي وجود فضاء قيمي يشكل الغاية التي يكون البحث الجزئي خادمًا لها، وهذا الفضاء القيمي ليس له طيلسان لا بد من لبسه قبل كل كتابة بحثية، بل يكفي وجود قرائن الانتماء لهذا الفضاء القيمي، ولو في الحال العام للشخص نفسه، خاصة والبحوث العلمية الدقيقة يصعب أن تُطلى بالحرارة العاطفية التي يجعلها مثقفو التنظيمات علامة الرسالية.

والموضوعية ليست هي التجرد من العاطفة الإيمانية بالمرة، وجمود الباحث وتجرده في كل سياقاته المعرفية من قرائن الانتماء لثابت يؤمن بوجوب لتحيز إليه، فحتى البحث الاستشراقي الذي يوهمك ببرودته الوضوعية هو في حقيقته خادم لفضاء قيمي لكن الحاذق منهم يُحسن مداراة ذلك أو ربما لا يعي أنه يقوم بتلك الخدمة.

وليس يعيب الباحث أن يتجرد في بحثه معرفة وبيانًا حتى لا تكاد يتحدد انتماؤه الثابت= بل هذا مما لا بد منه (أحيانًا قد تكثر) في ظل زحمة التحيز الفاسد التي نعاني منها خاصة في الأوساط الإسلامية، وإنما الذي يعيبه ان تكون هذه هي حالته العامة في كل مقامته المعرفية والبيانية حتى يتجمد انتماؤه القيمي في برودة الأكاديميا التي يقول عنها المسيري في نصه المشار إليه: تتحرك فى عالم خال من أى هموم إنسانية حقيقية – عالم خال من نبض الحياة: رمادية كالحة هى هذه المعرفة الأكاديمية، وذهبية خضراء هى شجرة المعرفة الحية المورقة.

مشاركة

مقتطفات أخرى

قال الطاهر ابن عاشور في تفسيره: ((التحرير والتنوير))، عن قوله تعالى: واضربوهن:

وعندي أنّ تلك الآثار والأخبار مَحْمَل الإباحة فيها أنّها قد روعي فيها عرف بعض الطبقات من الناس ، أو بعض القبائل ، فإنّ الناس متفاوتون في ذلك ، وأهل البدو منهم لا يعُدّون ضرب المرأة اعتداء ، ولا تعدّه النساء أيضاً اعتداء.

قال عامر بن الحارث النمري الملقّب بجِرَاننِ العَوْد . 

عَمِدْتُ لِعَوْدٍ فَالْتَحَيْتُ جِرَانَهُ *** ولَلْكَيْسُ أمضى في الأمور وأنجح

خُذا حَذراً يا خُلَّتيَّ فإنّنــي *** رأيـتُ جران العَوْد قد كاد يصلح

والتحيْت : قشرّت ، أي قددت ، بمعنى : أنّه أخذ جلداً من باطن عنق بعير وعمله سوطا ليضرب به امرأتيه ، يهدّدهما بأنّ السوط قد جَفّ وصلح لأن يضرب به . 

وقد ثبت في « الصحيح » أنّ عمر بن الخطاب قال : ( كنا معشر المهاجرين قوما نغلب نساءنا فإذا الأنصار قوم تغلبهم نساؤهم فأخذ نساؤنا يتأدّبن بأدب نساء الأنصار ) . فإذا كان الضرب مأذونا فيه للأزواج دون وُلاة الأمور ، وكان سببه مجرّد العصيان والكراهِية دون الفاحشة ، فلا جرم أنّه أذن فيه لقوم لا يعُدّون صدوره من الأزواج إضراراً ولا عارا ولا بدعا من المعاملة في العائلة ، ولا تشعر نساؤهم بمقدار غضبهم إلاّ بشيء من ذلك .

اقرأ المزيد

أنت تسميها إيجابية، وإنك بتهون علي وبتوريني نص الكوباية المليان، والذي يصلني من هذا هو إنكار لمشاعري، وأنك لا تفهم حقيقة الألم الذي أمر به.

وقد قال الله لنبيه: {ولقد نعلم أنك يضيق صدرك بما يقولون}.

وتلك المصادقة على شعور المتألم والاعتراف به= هي أولى ما ينبغي الاعتناء به.

اقرأ المزيد