أحمد سالم
ميزان النجاح والتوفيق ومعيار قياسه إنما يتحدد بمدى الفجوة التي بين سريرتك وعلانيتك، والعمل على تضييق هذه الفجوة، وصناعة حالة تقارب واتساق بين عالمك الداخلي وخبيئة نفسك وبين ما تظهره للناس من تبني الفضائل والقيم= هو جوهر الاستقامة الإيمانية.
هذا الشخص المتواري في أغوار نفسك، هو الذي ستحاسب عليه، وليس ذاك الغريب المتصنع الذي يعرفه الناس، اعمل على هذا وداوه وأنت تقدر على ذلك، وينتظره ربك منك ويباهي بك ملائكته.
مقتطفات أخرى
تصحيح خطأ شائع حول مفهوم الخمار في الوحي، وبيان أن الطرحة القصيرة على أي شكل من أشكال الثياب الساترة للجسد هي حجاب شرعي صحيح.
لما قال الله سبحانه آمرًا المؤمنات: {وليضربن بخمرهن على جيوبهن}.
لم يقصد سبحانه بالخمار الأشكال الشائعة الواسعة التي تصل لمنتصف الجسد، وإنما قصد سبحانه تغطية الرأس بما يستر العنق وفتحة الصدر، فقد كان من زينة المرأة العربية أن تكشف شعرها وعنقها وأعلى صدرها، فالأمر بالحجاب، وبالخمار على الحقيقة هو أمر بستر لحم المرأة سوى وجهها وكفيها وقدميها (على المختار) ولم يقل فقيه أو مفسر قط بأن هذه الصورة هي الخمار أو الحجاب الذي في النصوص، فالتخمير هو التغطية ومنه قوله صلى الله عليه وسلم: خمروا آنيتكم، وسميت الخمر خمرًا لأنه تغطي إدارك العقل، والتغطية المنصوص عليها أصالة هنا هي تغطية الرأس والعنق وصفحة الصدر وهي المقصودة في قوله عليه الصلاة والسلام: لا صلاة لحائض إلا بخمار.
ولا يختلف علماء العربية، والفقهاء، والمفسرون، جميعًا؛ أنَّ الخمار هو غطاء الرأس، وأنَّ «الخمار للمرأة كالعمامة للرجل»، وقال ابن كثير: «هو ما يخمر به، أي: يغطى به الرأس، وهي التي تسميها الناس المقانع»، وعلى ذلك فسَّرُوا المقنعة أيضًا: «قَالَ اللَّيْث: الـمِقنَعة: مَا تقنِّع بِهِ المرأةُ رأسَها. قَالَ: والقِناع أوسع مِنْهَا»، «والـمِقْنَعُ والـمِقْنَعَةُ - بكَسْرِ مِيمِهما -، الأُولَى عَنِ اللِّحْيَانِيِّ: مَا تُقَنِّعُ بِهِ المَرْأةُ رأْسَهَا ومَحَاسِنَها، أيْ: تُغَطِّي».
وفي شرح العمدة: «قال ابن عباس: هو الوجه والكفان. وهو كما قال؛ لأنَّ الوجه والكفين يظهران منها في عموم الأحوال ولا يمكنها سترهما مع العمل المعتاد، ولأنَّه قال: {وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ}، فأمرهن بإرخاء الخمر على الجيوب لستر أعناقهن وصدورهن، فلو كان ستر الوجه واليدين واجبًا لأمر به كما أمر بستر الأعناق».
فالمراد في كل ذلك هو ستر العورة أن تكشف والعورة هنا هي الرأس ولحم العنق والصدر، أما إذا كان الصدر مغطى بالعباءة فلا علاقة للخمار الشرعي بتغطية الصدر لأنه مغطى أصلا، فالطرحة العادية التي لا يبين منها شعر الرأس ولا لحم العنق هي حجاب شرعي صحيح، والصدر المستور بالعباءة أو الفستان هو صدر مستور العورة لا يحتاج لخمار يستره لتحقيق الحجاب الواجب، فهذا تحقيق للحجاب الواجب الصحيح..
وإنما يزيد الناس على ذلك أردية واسعة كالخمار بالشكل الشائع أو غيره من باب المبالغة في الستر وهذا خيار مشروع يأجرهن الله فيه على قصدهن، لكن ليس هذا متعلقًا بحد الخمار الواجب.
يقول شيخ الإسلام: ((من كان مقلِّدًا لَزِم حكم التَّقليد فلم يرجِّح ولم يزيِّف، ولم يصوِّب ولم يُخطِّئ)).
ويقول: ((المقلد لا ينكر القول الدي يخالف متبوعه، إنكار من بقول هو باطل، فإنه لا يعلم أنه باطل، فضلًا عن أن يحرم القول به ويوجب القول بقول سلفه)).
العامي المقلد لا يتصدى للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إلا في قطعيات الدين كوجوب الصلاة وحرمة الزنا.
إن رأى أمرًا يستشكله فإنه يسأل ويتعلم ثم يعمل بهذا الذي تعلمه، ولا يقول: إن ما يخالف ما تعلمه باطل أو منكر.
لو عمل الناس بهذا لما وقع البغي ولما حدثت الفتن، ولكفى الله الناس شر تصدي الجهلاء لما لم يحيطوا بعلمه.
ولقد تخطينا مرحلة المقلد الذي يتعلم ثم ينكر على من يخالفه، إلى مرحلة من يُنكر ويُشهر ويذم ويقدح بلا علم أصلا، وسيجد هؤلاء قولهم بغير علم في كتاب حسابهم كبيرة لا تنفعهم معها المعاذير.