أحمد سالم
اللبن هو أحد أكثر الأطعمة التي يسهل غشها؛ فيكفيك أن تضيف الماء بنسب يمكن أن تكون كبيرة ولا يؤدي ذلك إلى تغير لون اللبن إلا بدرجات لا تكاد تلحظ.
لا تنكشف عملية الغش هذه لغير الخبير عند التذوق إلا لو زادت نسبة الماء ؛ معنى ذلك أن أمامك مساحة كبيرة من الزيادة حتى ينكشف الغش.
قياس نسبة الدسم هو الوسيلة العلمية لكنها لا تتاح لكل أحد.
الفكرة الأساسية في غش اللبن هي أنك تغشه بمادة تتقاطع مع أحد مكونات اللبن الرئيسية وهي الماء وبالتالي لا يحدث التغير في الشكل إنما يحدث التغير في المكونات الصلبة التي تميز اللبن عن الماء أصلاً.
الخطاب الذي يقوم به من يسمون بالدعاة الجدد، ودعاة الإسلام الحضاري وكذلك خطاب التصوف الفولكولوري الانسحابي (وليس كل التصوف كذلك لكنه الغالب) : هو خطاب إسلامي يركز على ما هو مشترك بين الإسلام وغيره، هذا الاشتراك الذي يركزون عليه في الحقيقة هو اشتراك في الماء (ويا ليتهم تركوا الماء نقيًا بل لوثوه بالبدع ومخالفة القطعيات).
أما المكونات الصلبة التي تجعل اللبن لبناً وليس ماء، وتجعل الإسلام ديناً حقاً خاتماً متميزاً عن بقايا الحق في الأديان المحرفة والثقافات الإنسانية؛ هذه المكونات المُمَيِزة تتوه وسط هذا الزحام وتلك المكاثرة بالماء في عملية غش للإسلام مفضوحة تأكل المادة الصلبة التي تشكل هويته، وتذيبها في هراء لا طعم له ولا لون ولا رائحة بدون تلك المكونات؛ ليصير ديناً منزوع الدسم، منخفض التكاليف.
مقتطفات أخرى
«عقدت العزم على أن أتخلى عن الأهداف الكبرى وأن أعتبر نفسي سعيدًا إن تمكنت ببساطة، هنا وهناك، من إيجاد موطئ قدم على قطعة صغيرة جدًا من أرض صلبة، في المستنقعات الضبابية المتقلبة. هكذا انتقلت في حياتي من يأس إلى يأس، ومن تماسك إلى تماسك.»
إدموند هوسرل
إن الركيزة الأساسية لدين الإسلام هي: العمل الصالح.
على الرغم من بساطة صياغة هذه الجملة، إلا أن الغفلة عن حقيقتها ولوازمها وآثارها= هي السلوك الأكثر والأوسع انتشارًا.
العقائد والمعارف والأفكار والرحلات المضنية للبحث عن المعنى، كلها كلها لا ينبغي أن تتخطى كونها نقطة الانطلاق، والبيان التوضيحي المختصر للمهمة الأساسية: العمل الصالح.
وإذا طغت العقائد والمعارف والأفكار على الإنسان وتركته قد اضمحل عمله، وإذا أهلك الإنسان أيامه في البحث عن المعنى قد عرت يده من صالحة تنفعه، وتقوده للمعنى من غير كد منه ولا سعي، وإذا شغله وسواس التسبيب والتعليل والحفر والنبش، فخمدت روحه فلم تتحرك جوارحه بطاعة ربه= أتى هذا الإنسان يوم القيامة أتعس الناس، فلا هو بالذي قد أدرك لذة الغافلين، ولا بالذي قد أصاب نعيم الذاكرين.