أحمد سالم
تزكو النفس بالأعمال الصالحة وإدامة الاتصال بشعب الإيمان، مخلصًا في الطاعة مستغفرًا تائبًا من الذنب، صابرًا في الضراء شاكرًا في السراء.
مستعملًا نعم الله في طاعة الله، عبد شكور، له ساعة يستجم فيها لكنه مع ذلك قد عمر حياته بالطاعة والإيمان، فيصيب العبد سهمًا من كل طاعة، لا يخلو يومه من بضعة أعمال من شعب الإيمان مثل:
الخوف من الله، الرجاء، التوكل، الصبر، الرضا بالقضاء، محبة الله، محبة النبي صلى الله عليه وسلم، المحبة في الله والبغض في الله، تعظيم الله وأوامره، حفظ حدود الله، سلامة الصدر، الطهارة، حسن الخلق، الرحمة، التواضع، الرفق، الحياء، العفاف، حسن العهد، بر الوالدين، صلة الأرحام، الإحسان بين الزوجين، العناية بالأبناء، إطعام الطعام، إكرام الضيف، الزيارة في الله، توقير الكبير، العناية بالمستضعفين، ذكر الله، طلب العلم، تعليم الناس، الدعاء، الاستغفار، الصلاة على النبي، الإصلاح بين الناس، الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، الهجرة والفرار من الفتن، أداء الأمانة، حفظ اللسان، إفشاء السلام، عيادة المريض، الصلاة على الميت واتباع الجنازة، الإقراض، الوفاء بالقرض، الذبح، حفظ الأيمان، كتابة الوصية، إماطة الأذى عن الطريق... إلخ.
هذا هو طريق تزكية النفس وتطهيرها وإصلاح فسادها وعيبها، والعلو بها نحو درجات الأولياء المقربين لرب العالمين.
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: ((مَن أصبح منكم اليوم صائمًا؟ قال أبو بكر: أنا، قال: فمَن تَبِعَ منكم اليوم جنازة؟ قال أبو بكر: أنا، قال: فمَن أطعم منكم اليوم مسكينًا؟ قال أبو بكر: أنا، قال: فمَن عاد منكم اليوم مريضًا؟ قال أبو بكر: أنا، فقال صلى الله عليه وسلم: ما اجتمعْنَ في امرئ إلا دخل الجنَّة)).
مقتطفات أخرى
يقول تعالى: {فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُم}.
لأول نظر، قد تبدو العلاقة غير مفهومة بين التولي عن الجهاد، وبين قطع الأرحام، لكن التأمل في الطبيعة الإنسانية يكشف سر ذلك.
الإنسان ظلوم جهول، في طبيعته طاقة شدة وغضب، وككل الغرائز الإنسانية، تقبلها الشريعة وتنظمها؛ لأجل ذلك جعلت للشدة موضعها الذي تتصرف فيه: {أشداء على الكفار رحماء بينهم}.
ما الذي يحدث لمن يتولون عن الجهاد فلا يضعون الشدة في موضعها المناسب؟
نعم. هو ذاك، ينقلب بأسهم ليكون بينهم شديدًا، فيفسدون في الأرض ويقطعون أرحامهم.
نص موجز جامع فيما أرجو:
هذا الكون الذي يقع الإنسان في نقطة قصية محدودة منه= مخلوق كائن بعد أن لم يكن، أوجده وأبدع تصويره خالق قدير عليم، لطيف خبير حكيم.
ومن جملة المخلوقات خلق الله آدم ليخلف من سبقه من خلق خلقهم الله، وقال الله تعالى: {وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون}، فعبادة الله سبحانه هي المقصد الأساسي من خلق الله لعباده، فلم يخلق الله الناس ويتركهم بلا تكليف أو مسؤولية.
واختار الله للتكليف واسطة تكون بينه وبين خلقه في إبلاغ التكاليف وتعليمها للناس وهم الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم.
والرسالة الإلهية التي يحملها النبي ليبلغها للناس ويعلمهم إياها ليعملوا بها هي التي يُطلق عليها اسم: الدين.
وبعمر الإنسانية وتتابع الناس= تتابع عليهم الرسل يبلغونهم رسالات الله، وجميعها رسالات تشترك في جزء ثابت لا يتغير وهو المعلومات والموضوعات المتعلقة بالله سبحانه والتي تعرف الناس بإلههم، والمعلومات المتعلقة بالموضوعات الأخلاقية الكبرى، والمتعلقة بمصير الناس بعد انتهاء الدنيا.
وتختلف هذه الرسالات في بعض أجزاء الحلال والحرام التي ليست من أصول الأخلاق وكليات القيم الكبرى وإنما تتعلق بما تختلف ظروفه وأحكامه بتغير الزمان والمكان.
ووفقًا لما تقدم فإن دين الأنبياء الذي جاؤوا به هو واحد في الموضوعات الكبرى، ويختلف في موضوعات أخرى، وما نراه اليوم من اختلاف بين الأديان في الموضوعات الكبرى هو ناتج من تحريف هذه الأديان على أيدي أتباعها.
ورسالات الأنبياء تأتي في صورة نصوص، يبلغها النبي بلسانه وأحيانًا يبلغها بنصوص مكتوبة بالإضافة للبيان اللساني، وبالتالي فإن فهم وتفسير الدين هو عملية فهم وتفسير للكلام الذي يتكلم به النبي مبلغًا إياه عن ربه، ويسبق عملية التفسير هذه عملية التوثق من صحة نسبة الكلام للمتكلم به.
وأول مراحل التوثق من النسبة أن نتوثق من آيات نبوة النبي الحامل للرسالة المبلغ عن ربه؛ لأن نسبة الكلام إلى الله غير ممكن التوثق منها إلا عبر التوثق من صحة دلائل نبوة النبي المبلغ للكلام عن الله.
وإثبات وجود الله وحتمية التدين وصحة نبوة النبي هي مهام يقوم بها علم الكلام.
وفي ديننا دين الإسلام تتمثل رسالة نبينا محمد عليه الصلاة والسلام في نصين أساسيين وهما القرآن، كلام الله الذي أوحاه على نبيه ليبلغنا إياه آية وتبيانًا، فليس هو مجرد كتاب للرسالة فحسب، بل فوق وظيفة القرآن التعليمية التي يشبه فيها النصوص السابقة كالتوراة والإنجيل (قبل تحريفهما) فإنه أيضًا كتاب تحدى الله العرب والناس من ورائهم أن يأتوا بمثله في بيانه وروعة بلاغته.
ومع القرآن وحي آخر ولكن لم يُقصد به أن يكون آية بيانية، وإنما المقصد الأساسي منه أن يكون تزكية وتعليمًا للمؤمنين، فهو امتداد للوحي القرآني الأول، وهو السنة النبوية التي يتكلم بها نبينا محمد صلى الله عليه وسلم لكن بدون أن ينسب نصوصه لله عز وجل لكنه تكلم بها بوحي من الله.
وقد قام علماء المسلمين بتأسيس مجموعة كبيرة من الحقول المعرفية والتخصصات العلمية المتعلقة بالرسالة التي جاء بها النبي صلى الله عليه وسلم، فكان من هذه الحقول والتخصصات تخصص يعتني بتفسير القرآن، وتخصص يعتني بشرح الحديث، وتخصص يعتني ببيان موضوعات العقيدة والأصول الكبرى للدين، وتخصص يعتني بالأحكام العملي المتعلقة بالتصرفات اليومية للفرد المسلم من ناحية الحلال والحرام، وهذا التخصص الأخير هو علم الفقه.
فديننا يرتكز بصورة أساسية على نصوص، وحقيقة الفقه فيه أنه فقه في هذه النصوص وتفسيرها وتعيين مراد المتكلم بها، ثم اتباع هذا المراد، تصديقًا بأخباره، وفعلًا لأوامره وتركًا لنواهيه.
والفقه في النصوص على هذا الوجه يستلزم القيام بخطوتين أساسيتين:
الأولى: التحقق من ثبوت هذه النصوص للمتكلم بها.
الثاني: التحقق من تفسير النص تفسيرًا مطابقًا لمراد المتكلم به.
ولأن هذه العلوم السابق ذكرها، تتناول تفسير النص فقد وجدت علوم أخرى تعتني بالاستيثاق من صحة النص، فلدينا نصان، الأول هو القرآن، وعملية الاستيثاق وصحة النسبة فيه تتعلق بمراحل تلاوة النبي له والذين حفظوه عنه والذين جمعوه ودونوه، ويشتغل بذلك من فروع المعارف الإسلامية: علوم القرآن.
أما السنة النبوية فهي أوسع ميادين التحقق من صحة النسبة، وتقوم بتلك المهمة علوم الحديث والسنة النبوية.
ويقوم علم التفسير ببيان معاني القرآن الكريم، ويقوم علم شرح الحديث ببيان معاني حديث النبي صلى الله عليه وسلم، بالإضافة لتدخل علماء الاعتقاد والفقه والسلوك والأخلاق كل يبين معاني النصوص التي تتعلق بمجاله المعرفي.
وعمليات التفسير هذه لها مناهج متبعة يختلف فيها العلماء ويتفقون، ومناهج تفسير النص هي التي يهتم بها علم أصول الفقه.
وعلم أصول الفقه يعتني بتحديد القواعد التي على أساسها تتم عملية تفسير القرآن والسنة من أجل استخراج الأحكام العملية التي تتعلق بالحلال والحرام، ومعنى اسم تخصص أصول الفقه، أنه يعتني بمعرفة وتحديد القواعد التي على أساسها يتم تفسير النص تفسيرًا له غرض معين هو معرفة أحكام الحلال والحرام.
والحق أن هذه القواعد الخاصة بتفسير النص ليست محصورة في أنها تُستخدم من أجل استخراج أحكام الحلال والحرام فهي قواعد لتفسير النص الإسلامي في مختلف مجالاته وأغراضه، ولكن العناية بتحديد هذه القواعد بدأت أولًا بين علماء الفقه؛ نظرًا لمركزية العمل اليومي في البناء الإسلامي؛ فمن أجل ذلك نسبت هذه القواعد للفقه، وكانت في موضوعات علم أصول الفقه مواضيع خاصة بنصوص الإسلام التي تتعلق بالفقه والأحكام العملية.