أحمد سالم
من نعم الله العظيمة على الإنسان، ألا يكله إلى نفسه، بل يعينه بحوله وقوته، ويدبر له أمره.
ونحن ندعو الله في مطلوبنا ونلح عليه؛ فإذا حصل هذه المطلوب لم نذكر الله شاكرين إلا ساعة من نهار هذا إذا ذكرناه، ثم يتعلق ذكرنا بالأسباب، فنقول ثم قابلت فلان، ثم أعطاني فلان، فتوسط لي فلان، فكتب لي الطبيب دواء عالجني.
إننا نغفل عن أن هذا كله بالتدبير الإلهي، ولا نعطي التدبر في تصاريف التدخل الإلهي حقه من التأمل والتفكير ثم الدهشة والعجب والشكر والنظر للأسباب على أنها محض أسباب لولا أن يسرها الله لم تكن ولا كان مطلوبك.
والعجب أنا نذكر ربنا شاكين متذمرين إذا لم يحصل مطلوبنا، فيكون الله في الضيق مشكوًا وفي الفرح منسيًا، كما كانت أمي تردد دائمًا.
إن الإنسان لربه لكنود، وكان الإنسان كفورًا.
عن أبي رِمْثَةَ رَضِيَ اللهُ عنه أنَّه قالَ للنَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((أَرِنِي هذا الذي بِظَهْرِك؛ فإنِّي رجلٌ طبيبٌ، فقال له رسول الله: اللهُ الطَّبِيبُ (إنما الطبيب هو الله)، بل أنت رجلٌ رفيقٌ، طبيبُها الذي خلَقَها)).
مقتطفات أخرى
أراد رجل أن يتفرغ لطاعة الله فقال: وددت لو أني تركت الأسباب وأعطيتُ كل يوم رغيفين، فابتلي بالسجن وكان ترتيب السجن من الزاد: كل يوم للسجين رغيفان.
وسمع من يقول له: طلبت منا كل يوم رغيفين، ولم تطلب منا العافية، فأعطيناك ما طلبت.
لا يستطيع الإنسان أن يستغني عن سؤال الله تفاصيل حاجاته الدنيوية، فنفسه معلقة بالعاجلة، وبما يعجبه، ويغفل الإنسان عن أنه ليس كل ما يعجبه ينفعه، وأن مخبوءات القدر يعلم الله منها ولا نعلم.
ورسول الله يقول: ((اتقوا الله وأجملوا في الطلب))، ومن الإجمال في الطلب منزلة يُرجى أن يترقى لها العبد وفيها يقل طلبه للتفاصيل الدنيوية ويتعلق بأدعية الوحي وما فيها من قلة التفصيل للأسباب والأغراض، ويكل أمره إلى الله يكتب له الخير حيث شاء.
الطعام نعمة عظيمة جدًا، وأن تطبخ، الطبخ نفسه= ممارسة فنية، والتفنن في الطعام وحبه والذوق فيه تمتع بنعمة معجلة ضربها الله مثلًا لنعيم الجنة.
وكل ذلك يمارسه الإنسان سلوكًا فيكون منه حسن وقبيح، وإن تعلق العين بالطعام وأخباره وكثرة ذكره ودوران الحديث حوله شيء قبيح جدًا، وهو تخمة روحية ونفسية تصل بصاحبها بعد ذلك للتخمة الحسية، والتخمة الحسية والأكل حتى الشبع وفوق الشبع وأن تأكل بغير جوع كل تلك عادات منتشرة في الناس وهي مما يسد الروح ويُمرض القلب ويُقعد عن ذكر الله، ولا تكون كلها إلا بعد تعلق العين وانشغال اللسان بذكر الطعام، والطعام على ما فيه من النعمة هو أول معصية أخرجت الإنسان إلى نكد الدنيا.