أحمد سالم
ذكر الذهبي في ترجمة مسعود بن محمد الهمذاني أنه كان من خيار الناس. وكان يحب الصفح ويقول: الماضي لا يُذكر.
فقيل : إنّه رؤي في المنام بعد موته، فقيل له : ما فعل الله بك؟
قال:أوقفني بين يديه، وقال لي: يا مسعود الماضي لا يُذْكَر انطلقوا به إلى الجنة.
مقتطفات أخرى
في صحيح مسلم من خبر نبينا وزوجه عائشة : وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلاً سهلاً، إذا هويت الشيء تابعها عليه.
لا شك أن الوصول إلى صراط مستقيم في توازن العلاقة بين الرجل والمرأة= صار شيئًا عسرًا.
فلدينا رجال يظنون أنهم سيتزوجون أمًا تسهر على رعايتهم وليس زوجة تؤدي واجبها وتنتظر حقها.
ولدينا نساء شوهت الرجولة في نفوسهم بقدر ما شوهت الأنوثة فلا يحفظون حقًا ولا يرعون حرمة القوامة التي كتبها الله للرجل.
ومن رزقه الله الاعتدال وسواء الفطرة فقد نجا من هذين النمطين لكنه يعيش على خوف أن يُبتلى بأحدهما فيفسد العلاقات حينها هواجس المرأة التي تخشى استبداد الرجل وتعنته، وهواجس الرجل الذي يخشى تأثر المرأة بالنسوية المنحرفة.
ولا شيء أحسن وأهدى إلى الخير من الصراحة والوضوح فتُظهر المرأة احترامها للرجل ولحقه في القوامة لكنها تسأله أن يُظهر لها بالمقابل أنه يعقل معنى القوامة وأنها مسؤولية وتكليف وليست استبدادًا وتعنتًا وشهوة سلطة.
والحديث الذي صدرت به كلامي هو وأشباهه = أظهر وأصح وأشهر مما يتداوله الناس في هذا الموضوع، وأنصار الذكورية الجاهلية يسمون الرجل يطيع زوجته بأسماء سوء، بينما نحن نرى خير الخلق وسيدهم لا يشعر بالتهديد من زوجه، ولا تٌُشعره زوجته أنه في صراع سلطة معها، وذاك الزواج هو زواج المودة والرحمة الذي يحبه الله، ولو جعل الناس بيوتهم كبيت رسول الله لما احتاجوا لوضع الآيات والأحاديث في غير مواضعها، حتى صار الشرع بتوظيفه المنحرف عذابًا يشبه عذاب الدول المستبدة التي يثرثر شيوخها حول طاعة الله والرسول وأولي الأمر.
وقد وصف عمر بن الخطاب الأنصار بأنهم تغلبهم نساؤهم فمن ذا يضارع رجولة الأنصار ؟!
عن ابن عباس رضي الله عنه: ((أن ضمادًا، قدم مكة وكان من أزد شنوءة، وكان يرقي من هذه الريح، فسمع سفهاء من أهل مكة، يقولون: إن محمدا مجنون، فقال: لو أني رأيت هذا الرجل لعل الله يشفيه على يدي، قال فلقيه، فقال: يا محمد إني أرقي من هذه الريح، وإن الله يشفي على يدي من شاء، فهل لك؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الحمد لله، نحمده ونستعينه، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا عبده ورسوله، أما بعد» قال: فقال: أعد عليّ كلماتك هؤلاء، فأعادهن عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثلاث مرات، قال: فقال: لقد سمعت قول الكهنة، وقول السحرة، وقول الشعراء، فما سمعت مثل كلماتك هؤلاء، ولقد بلغن ناعوس البحر، قال: فقال: هات يدك أبايعك على الإسلام، قال: فبايعه)).
وفي هذا الحديث دلالة على أصل عظيم من أصول الاستدلال، أن الحجة تكون صحيحة في نفسها، ولكنها لا تقع منك موقعًا إلا بحسب ما معك من العلم والفقه؛ فيفوت الرجل من الاهتداء بالدليل بقدر نقص علمه وفقهه وعقله؛ لذلك اهتدى هذا الرجل بتلك الكلمات القلائل؛ لأجل ما معه من العلم الذي هداه لفرق ما بينها وبين كلام الناس، بينما لا يهتدي آخرون بما هو أظهر من الحجج؛ لأجل نقص علمهم وفقههم.
عدم اقتناعك ليس دليلاً على وهاء الحجة، بل أحيانًا كثيرًا يكون لعدم استواء علمك وفقهك إلى الدرجة التي تؤهلك للبصر بالحجج!
فهذه الكلمات التي أسمعها رسول الله صلى الله عليه وسلم ضمادًا= نسمعها جميعًا، لكنها لا تقع منا نفس الموقع الذي وقعته من ضماد، حيث أبانت له هذه الكلمات أن صاحبها لا يستمد معارفه من البشر، وإنما يوحي إليه الله.
وسبب الفرق بيننا وبين ضماد: هو ما لديه من المعرفة بالكلام المتداول على ألسنة الناس، وهي المعرفة التي وزن بها كلمات النبي صلى الله عليه وسلم، وهي الموازنة التي أنتجت أن هذا الرجل لا يُعلمه رجل، وإنما هو نبي يوحى إليه.
ومن هنا تعلم: أن صلاحية القرآن لإقامة الحجة على المصدر الإلهي لهذه الرسالة وهذا الدين= هي صلاحية ثابتة في نفسها، ولكن انتفاعك بها مرتبط بما في نفسك من المعرفة والعلم، ولعله لأجل ذلك يكثر في ديننا الحث على العلم والتعلم وعلى رفع المستويات المعرفية للناس.