أحمد سالم
الناس ليسوا شرًا مطلقًا وليسوا خيرًا مطلقًا، وأقبح الخلق إبليس يدور بين قولين أنه كان من الملائكة والقول الآخر أنه من صالحي الجن، ومع ذلك خطأ واحد جعله الرجيم الملعون؛ لأن الأخطاء ليست بالعدد وإنما بالوزن عند الله.
الشرك من أقدم الذنوب، ومن صوره أن يُشرك الإنسان بين الخير والشر، وبين الإيمان والكفر، وبين الحسنة والسيئة، الطاعة والمعصية، فتحوي نفسه هذه الأمور لأن الخير شعب متنوعة الإشكال، والشر شعب متنوعة الأشكال، فيقع للإنسان أن يجمع في نفسه هذا إلى جوار هذا، وقد قسم الله أنواع الخير والشر إلى طبقات بعضها فوق بعض، ثم فرق الله بين ميزاننا نحن في التعامل مع الناس وما لنا وما ليس لنا، وبين ميزانه هو سبحانه، وفرق سبحانه بين الجزاء الدنيوي والجزاء الأخروي على جهات مختلفة، وأرجو أن تُفهمك النقاط التالية بعض صور هذا الاختلاف:
(1) لا أحد معصوم من الشر، وما من إنسان إلا وهو يخلط عملًا صالحًا بآخر سيئًا وإنما يتفاضل الناس بقلة الشر كمًا ومحدوديته كيفًا.
(2) من الشر ما يفسد على الإنسان آخرته فلا يجعل له في الجنة نصيب، وهذا لا ينفي أنه تكون له أعمال صالحة، يجزيه الله بها في الدنيا نعمًا ويدفع عنه بسببها بلاء، وتجعل دركته في النار أحسن ممن ليس له نفس الأعمال، وهذا الشر الذي يوبق الإنسان هكذا هو الكفر والشرك اللذان يقعان من الإنسان وليس له عذر يدرأ عنه العذاب.
(3) ومن الخير ما يفتح لصاحبه باب الرحمة الأعظم فينجيه من الخلود في النار، وقد تغلب حسناته سيئاته فيدخل الجنة ولا يمسه عذاب، وقد تغلب سيئاته لكن تنفعه مغفرة الله أو شفاعة الشافعين، وإن كان هذا لا يمنع أن يبقى من له ذنوب تغلب باقي سيئاته ولا يغفرها الله له فيعذب بها في النار زمنًا ثم يدخل الجنة، وهذا الخير هو الحسنة العظمى أعني الإيمان بالله عز وجل وبنبيه الخاتم محمد صلى الله عليه وسلم، مع أركان هذا الإيمان وشروط صحته المعروفة.
(4) وقد يأتي رجل بالشر الأعظم ويكون له عذر ينفعه عند الله فيعصمه من العذاب، وهذا العذر قد ندركه أحيانًا كالكافر الذي ولد مجنونًا، وقد لا ندركه أحيانًا كما لا نعلم هل وصلته دعوة الإسلام وصولًا يكفي للإعذار أم لا، وبين هاتين الدرجتين درجات يعلمها البعض وتخفى على البعض.
(5) وقد يأتي رجل بالخير الأعظم لكنه يأتي في حياته بناقض من نواقض الإسلام بغير عذر ويموت بلا توبة وعودة عن الردة فهذا كأول مثال هاهنا، لا ينفعه أنه أتى بالخير الأعظم طالما وقع منه ما يبطله ويفسده ولا عذر له.
(6) وفي تعاملنا نحن: نشهد لمن أتى بالشر الأعظم بظاهره أنه كافر، ونترك احتماليات عذره إن وجدت للعالم القادر على تحقيق ما يمكن معرفته منها، وللآخرة التي ستبقى أشياء خفية علينا لا يعلمها إلا الله، لكن مساحة المجهول هذه لا تكفي لأن ننتقل عن ظاهر كونه أتى بالشر الأعظم فإنا لم نكلف بغير الظاهر.
وهذا الذي أتى بالشر الأعظم إن كان يحسن إلينا ولا يؤذينا فإن الله لا ينهانا عن الذي لم يقاتلوننا في الدين أن نبرهم ونقسط إليهم، وأن نحبهم لإحسانهم وإن كنا نبغضهم لباطلهم وكفرهم، وقد قال الله لنبيه عن عمه الذي مات كافرًا: إنك لا تهدي من أحببت، وفي صحيح البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في أسارى بدر: «لو كان المطعم بن عدي حيا، ثم كلمني في هؤلاء النتنى لتركتهم له»، وكان المطعم قد مات كافرًا، لكن رسول الله حفظ له إحسانه وجميله.
ولا ينبغي أن يفتننا الإحسان والجميل عن حقيقة كون هذا الكافر قد أتى بالشر الأعظم، ولن ينجيه إحسانه يوم القيامة، وفي صحيح مسلم عن عائشة قلت: يا رسول الله، ابن جدعان كان في الجاهلية يصل الرحم، ويطعم المسكين، فهل ذاك نافعه؟ قال: ((لا ينفعه، إنه لم يقل يوما: رب اغفر لي خطيئتي يوم الدين)).
(7) ومن أتى بالخير الأعظم ولم يأت بما ينقضه فإنا نقبل منه ظاهر إسلامه مع قيام احتمال نفاقه أو كونه ينقض إيمانه مستترًا عنا، لكننا لا نتبع هذا بل لنا الظاهر والله هو من يزن تلك الخفايا، وفي هذا الظاهر الذي لنا، فإننا نهينا أن نزن للناس حسناتهم وسيئاتهم بما يجعلنا نحكم لهم بنجاة أو عذاب؛ فإن ذلك لله وحده، وإنما نشهد بالطاعة إذا رأيناها ونحمدها، ونحبه بقدر إصابته لها، ونشهد بالمعصية إذا رأيناها ونكرهها ونذمها، ونبغضه بقدر وقوعه فيها وننصح وننكر إن لم يكن أصاب مختلفًا فيه بتأويل، مع كوننا نحب للطائع الزيادة وللعاصي التوبة، ولا ينبغي أن نحكم على ما عند الله فنرى فلانا خيرًا من فلان عنده سبحانه بمجرد ظواهر نراها، لكن لنا أن نشهد بما علمنا من غلبة الخير الظاهر أو غلبة الشر الظاهر، دون تورط في أحكام عامة تحتاج لاطلاع لا نقف على علمه، ولنا أن نتبع هذه الظواهر في أحكام الشهادات وأحكام معاملة الفساق، والتحذير من الأخطاء البينة بما تستحقه، ولنا أن نتبع ذلك في اختيار من نصاحب ومن نزوج ومن نعاشر، مع كوننا أيضًا لا نقضي على ما غاب، ولا نقضي على ما عند الله، ولا نرى أن ذنوب واحد معين من المسلمين تهلكه وأن طاعات آخر تنجيه، وإنما الغيب لله والمآل بين يديه.
والله أعلى وأعلم.
مقتطفات أخرى
التراويح: صلاة معينة تكون بعد العشاء من رمضان يرتاح المصلي فيها بين ركعاتها قليلا.
التهجد: كل صلاة تطوع تُصلى ليلا في رمضان أو غيره.
قيام الليل: كل طاعة صلاة أو غيرها تفعل ليلا، فالقيام يكون بالصلاة ويكون بالدعاء والاستغفار وقراءة القرآن ونحو ذلك، وقيام الليل عكس رقوده ونومه.
قال في المراقي: ((مَعْنَى الْقِيَامِ أَنْ يَكُونَ مُشْتَغِلاً مُعْظَمَ اللَّيْل بِطَاعَةٍ، وَقِيل سَاعَةً مِنْهُ، يَقْرَأُ الْقُرْآنَ أَوْ يَسْمَعُ الْحَدِيثَ أَوْ يُسَبِّحُ أَوْ يُصَلِّي عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُل وَاحِدٍ مِنْهُمَا قَدْ يَسْبِقُهُ نَوْمٌ بَعْدَ صَلاَةِ الْعِشَاءِ وَقَدْ لاَ يَسْبِقُهُ نَوْمٌ)).
بطريقة أخرى:
التراويح= قيام وتهجد خاص برمضان.
التهجد: قيام بالصلاة خاصة يفعل في رمضان ويسمى تراويح ويفعل في غير رمضان.
قيام الليل: كل طاعة تفعل ليلا.
كل تراويح هي تهجد وقيام
كل تهجد قيام.
ليس كل قيام يكون تهجدا أو تراويح لأن القيام قد يكون بغير الصلاة.
تسمية الناس للصلاة التي تكون بعد التراويح من آخر الليل من رمضان تهجدا وتمييزها بهذا الاسم عن التراويح= مجرد اصطلاح وطريقة تعبير فقط، وكان بعض السلف يسمي هذا التعقيب، قال ابن قدامة: (( التعقيب : وهو أن يصلي بعد التراويح نافلة أخرى جماعة أو يصلي التراويح في جماعة أخرى.
فعن أحمد : أنه لا بأس به)).
نص موجز جامع فيما أرجو:
هذا الكون الذي يقع الإنسان في نقطة قصية محدودة منه= مخلوق كائن بعد أن لم يكن، أوجده وأبدع تصويره خالق قدير عليم، لطيف خبير حكيم.
ومن جملة المخلوقات خلق الله آدم ليخلف من سبقه من خلق خلقهم الله، وقال الله تعالى: {وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون}، فعبادة الله سبحانه هي المقصد الأساسي من خلق الله لعباده، فلم يخلق الله الناس ويتركهم بلا تكليف أو مسؤولية.
واختار الله للتكليف واسطة تكون بينه وبين خلقه في إبلاغ التكاليف وتعليمها للناس وهم الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم.
والرسالة الإلهية التي يحملها النبي ليبلغها للناس ويعلمهم إياها ليعملوا بها هي التي يُطلق عليها اسم: الدين.
وبعمر الإنسانية وتتابع الناس= تتابع عليهم الرسل يبلغونهم رسالات الله، وجميعها رسالات تشترك في جزء ثابت لا يتغير وهو المعلومات والموضوعات المتعلقة بالله سبحانه والتي تعرف الناس بإلههم، والمعلومات المتعلقة بالموضوعات الأخلاقية الكبرى، والمتعلقة بمصير الناس بعد انتهاء الدنيا.
وتختلف هذه الرسالات في بعض أجزاء الحلال والحرام التي ليست من أصول الأخلاق وكليات القيم الكبرى وإنما تتعلق بما تختلف ظروفه وأحكامه بتغير الزمان والمكان.
ووفقًا لما تقدم فإن دين الأنبياء الذي جاؤوا به هو واحد في الموضوعات الكبرى، ويختلف في موضوعات أخرى، وما نراه اليوم من اختلاف بين الأديان في الموضوعات الكبرى هو ناتج من تحريف هذه الأديان على أيدي أتباعها.
ورسالات الأنبياء تأتي في صورة نصوص، يبلغها النبي بلسانه وأحيانًا يبلغها بنصوص مكتوبة بالإضافة للبيان اللساني، وبالتالي فإن فهم وتفسير الدين هو عملية فهم وتفسير للكلام الذي يتكلم به النبي مبلغًا إياه عن ربه، ويسبق عملية التفسير هذه عملية التوثق من صحة نسبة الكلام للمتكلم به.
وأول مراحل التوثق من النسبة أن نتوثق من آيات نبوة النبي الحامل للرسالة المبلغ عن ربه؛ لأن نسبة الكلام إلى الله غير ممكن التوثق منها إلا عبر التوثق من صحة دلائل نبوة النبي المبلغ للكلام عن الله.
وإثبات وجود الله وحتمية التدين وصحة نبوة النبي هي مهام يقوم بها علم الكلام.
وفي ديننا دين الإسلام تتمثل رسالة نبينا محمد عليه الصلاة والسلام في نصين أساسيين وهما القرآن، كلام الله الذي أوحاه على نبيه ليبلغنا إياه آية وتبيانًا، فليس هو مجرد كتاب للرسالة فحسب، بل فوق وظيفة القرآن التعليمية التي يشبه فيها النصوص السابقة كالتوراة والإنجيل (قبل تحريفهما) فإنه أيضًا كتاب تحدى الله العرب والناس من ورائهم أن يأتوا بمثله في بيانه وروعة بلاغته.
ومع القرآن وحي آخر ولكن لم يُقصد به أن يكون آية بيانية، وإنما المقصد الأساسي منه أن يكون تزكية وتعليمًا للمؤمنين، فهو امتداد للوحي القرآني الأول، وهو السنة النبوية التي يتكلم بها نبينا محمد صلى الله عليه وسلم لكن بدون أن ينسب نصوصه لله عز وجل لكنه تكلم بها بوحي من الله.
وقد قام علماء المسلمين بتأسيس مجموعة كبيرة من الحقول المعرفية والتخصصات العلمية المتعلقة بالرسالة التي جاء بها النبي صلى الله عليه وسلم، فكان من هذه الحقول والتخصصات تخصص يعتني بتفسير القرآن، وتخصص يعتني بشرح الحديث، وتخصص يعتني ببيان موضوعات العقيدة والأصول الكبرى للدين، وتخصص يعتني بالأحكام العملي المتعلقة بالتصرفات اليومية للفرد المسلم من ناحية الحلال والحرام، وهذا التخصص الأخير هو علم الفقه.
فديننا يرتكز بصورة أساسية على نصوص، وحقيقة الفقه فيه أنه فقه في هذه النصوص وتفسيرها وتعيين مراد المتكلم بها، ثم اتباع هذا المراد، تصديقًا بأخباره، وفعلًا لأوامره وتركًا لنواهيه.
والفقه في النصوص على هذا الوجه يستلزم القيام بخطوتين أساسيتين:
الأولى: التحقق من ثبوت هذه النصوص للمتكلم بها.
الثاني: التحقق من تفسير النص تفسيرًا مطابقًا لمراد المتكلم به.
ولأن هذه العلوم السابق ذكرها، تتناول تفسير النص فقد وجدت علوم أخرى تعتني بالاستيثاق من صحة النص، فلدينا نصان، الأول هو القرآن، وعملية الاستيثاق وصحة النسبة فيه تتعلق بمراحل تلاوة النبي له والذين حفظوه عنه والذين جمعوه ودونوه، ويشتغل بذلك من فروع المعارف الإسلامية: علوم القرآن.
أما السنة النبوية فهي أوسع ميادين التحقق من صحة النسبة، وتقوم بتلك المهمة علوم الحديث والسنة النبوية.
ويقوم علم التفسير ببيان معاني القرآن الكريم، ويقوم علم شرح الحديث ببيان معاني حديث النبي صلى الله عليه وسلم، بالإضافة لتدخل علماء الاعتقاد والفقه والسلوك والأخلاق كل يبين معاني النصوص التي تتعلق بمجاله المعرفي.
وعمليات التفسير هذه لها مناهج متبعة يختلف فيها العلماء ويتفقون، ومناهج تفسير النص هي التي يهتم بها علم أصول الفقه.
وعلم أصول الفقه يعتني بتحديد القواعد التي على أساسها تتم عملية تفسير القرآن والسنة من أجل استخراج الأحكام العملية التي تتعلق بالحلال والحرام، ومعنى اسم تخصص أصول الفقه، أنه يعتني بمعرفة وتحديد القواعد التي على أساسها يتم تفسير النص تفسيرًا له غرض معين هو معرفة أحكام الحلال والحرام.
والحق أن هذه القواعد الخاصة بتفسير النص ليست محصورة في أنها تُستخدم من أجل استخراج أحكام الحلال والحرام فهي قواعد لتفسير النص الإسلامي في مختلف مجالاته وأغراضه، ولكن العناية بتحديد هذه القواعد بدأت أولًا بين علماء الفقه؛ نظرًا لمركزية العمل اليومي في البناء الإسلامي؛ فمن أجل ذلك نسبت هذه القواعد للفقه، وكانت في موضوعات علم أصول الفقه مواضيع خاصة بنصوص الإسلام التي تتعلق بالفقه والأحكام العملية.