
أحمد سالم
إدراكُ طرائق الخطأ أيسرُ بكثير من إدراك سبيل الحق؛ فإن الحق القديم، والدين الأول الذي بُعث به محمد صلى الله عليه وسلم، وصورةَ الصواب النقية لا زيغ فيها= قد احتوشتها ظلمة الأخطاء والضلالات؛ فصرت تتلمس الحق الواحد من بين زحمة أخطاء كثيرة.
والمفارقة أن كثيراً من تلك الأخطاء حصلت بسبب استعجالِ قومٍ إدراكَ الحقِ، فأدركوا سبيلاً جعلوه هو الحق، وما صنعوا شيئاً إلا أنهم كثَّروا سبل الباطل التي يضيع الحق في زحمتها.
لذلك لا يضيق صدرك من كثرة تنبيهنا على الأخطاء؛ فإن هذا الضيق يَحجزُك عن طول التأمل في الأخطاء وتجنبها، ويدفعك في الوقت نفسه لطلب صواب لم تحتشد له، ولم تطلب له فقهه؛ فلا تزيد به إلا ضلالاً!
الخطان يسيران متوازيان :
طلب الحق ومعرفة سبل الباطل التي تفرقت عنه؛ لكنْ مسيرك في الثاني يكون أكثر، وأناتُك في طلب الأول تبقى أحسن.
متوازيان:
ولكنك لا تقطع منهما مسافة متساوية فتعرف باطلاً ومعه الحق الذي ضده دائماً؛ فإنَّ المعاناة في طلب الحق الواحد عظيمة، وأنت تجد في طريق تلك المعاناة باطلاً كثيراً، ولكنك إذا رزقت هذا الحق= فإنه يغسل ذلك الباطل كله.
مقتطفات أخرى
من هم الأشاعرة؟
العقيدة، أو التوحيد أو الإيمان، كلُّها أسماء لعلم واحد، والمفترض أن عناية هذا العلم من حيث الأصل هي بموضوعات الإيمان المذكورة في حديث جبريل: أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره . فتعتني مباحث هذا العلم بشرح كل ركن من أركان الإيمان، والمسائل والأدلة المتعلقة بكل ركن .
وقد اختلفت الاتجاهات الإسلامة في تراثنا حول قضايا ومسائل هذا العلم، فنشأت فرق تقول في هذه القضايا بأقوال شديدة الضلال وهم: الخوارج والرافضة والجهمية والمعتزلة.
ووقف في مجابهتهم السلف الصالح بداية من الصحابة فالتابعين وأتباعهم فردوا على شبههم بالوحي قرآنًا وسنة.
في القرن الثالث الهجري حصلت مواجهة عنيفة بين المعتزلة وهم أكثر هذه الفرق إنتاجًا وأعمقها بناء وبين أهل الحديث الذين رفعوا راية وراثة علم السلف من الصحابة فمن بعدهم، واستوى بصورة تامة مصطلح أهل السنة في مقابل تلك الفرق البدعية كلها.
ثم كان هناك رجل اسمه: عبد الله بن سعيد بن كلاب، أنشأ أقوالًا هي وسط بين عقائد وأقوال المعتزلة وبين أقوال أهل الحديث.
وتأثر بابن كلاب رجلان هما:
أبو الحسن الأشعري، وأبو منصور الماتريدي، وهما من أهل القرن الرابع الهجري.
وتبعهما اتجاهان علميان دان بهما كثير من علماء المسلمين منذ القرن الخامس الهجري وهما الأشاعرة والماتريدية.
وحاصل مذهب الاتجاهين الوارثين لطريقة ابن كلاب: أنه تقريرات في قضايا ومسائل الاعتقاد فيها اختيار لأقوال توسطت بين مذهب المعتزلة وبين مذهب أهل الحديث، وهذا التوصيف هو الصواب في الجملة ولكن يزعم بعض المنتسبين للاتجاهين أن الاتجاهين يتفقان مع أهل الحديث، وهذا في الواقع ليس صوابًا بل الصواب ما حققه ابن تيمية أن مذهب أهل الحديث مغاير لهؤلاء.
ووفقًا لتصور ابن تيمية الذي نرى صوابه في الجملة:
في مسائل الاعتقاد هذه، طريقة أهل الحديث هي في الجملة طريقة الصحابة والتابعين وأتباعهم، وأما طريق الأشاعرة والماتريدية ففيها موافقات لطريقة السلف وفيها مخالفات هي حاصل عملية تلفيقية امتزجت فيها أقوال المعتزلة بأقوال الكلابية ببقايا من أقوال أهل الحديث، فأنتجت أقوالًا في مسائل صفات الله ومسائل القدر وبعض مسائل النبوات= مخالفة للنصوص القطعية ومخالفة لنصوص السلف وتقريرات أهل الحديث.
ومع قيام دول الباطنية والتتر امتزجت بعض تيارات الأشعرية والماتريدية بتصوف القبور والاستغاثة بالأولياء فدخل عليهما مكون خرافي شركي فيه إحياء للوثنية القديمة مع إلباسها لبوس الشرع.
فصار حاصل الخلاف مع الأشاعرة والماتريدية في ثلاثة مجالات:
الأول: قضايا الصفات والقدر والنبوات.
الثاني: مسائل التصوف الشركي والاستغاثة بالأولياء..
الثالث: مسائل متفرقة في بدع القبور والأضرحة وبدع التعبد والتعصب المذهبي.
ومجموع هذه الثلاثة هو ما شكل معالم الصراع بين السلفية المعاصرة والأشاعرة والماتريدية، وكلا طرفي الصراع قصر في أبواب من العلم والعدل وسياسة الخلاف، لكن هذا لا ينبغي أن يلفتنا على أن أصل الخلاف خلاف عظيم ومهم يتعلق بحقيقة فقه ما أتى به محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم.
واعتقادي هو أنَّ طريقة أهل الحديث هي أصح الطرق في تحرير تلك الأبواب، وأنَّها من حيث الواقع أقرب الطرق لِـمَا تدلُّ عليه النصوص، ولِـمَا كان عليه صحابة النبي - صلى الله عليه وسلم -، وأنَّ الخلاف في تلك الأبواب كثير منه لا يسوغ، وإن أمكن إعذار المخالف فيها والشهادة له بإرادة الحق من جهة الله والرسول لكنه أخطأ هذا الحق خطأ لا يبيح الوقيعة في قصده.
وهذا الخلاف والجدل حوله لم يعد هو نفسه مبحث العقيدة الموصوف في أول سطرين، بل هو فرع آخر من المعرفة هو علم الكلام، وهذا العلم ينبغي أن يكون الخوض فيه والجدل في موضوعاته خاصًا بساحات البحث ومتخصصي الباحثين، أما أن يسمى العقيدة وأن يمضغه أطفال التعلم في أفواههم ويجعلونه هوية للذات وقضية للعيش= فهو صورة أخرى من صور اختلال أولويات العلم والعمل.
الحب المرضي الذي ينشأ أحيانًا عند المرأة تجاه الرجل، والكراهية الراسخة للمرأة التي تنشأ أحيانًا عند الرجل= هاتان ظاهرتان يتحد في في إنتاجهما عامل أساسي واحد وهو غياب الأب.
يغيب الأب فتشتاق الفتاة لرجل يكون أبًا، ويغيب الأب فيظل الصبي يحارب طوال حياته سلطة الأم التي وضعت في غير موضعها.