أحمد سالم
قالت لي: أخشى من الإنجاب، أخشى من مسؤولية طفل، أخشى من الإتيان بطفل إلى عالم قبيح.
فقلت لها: لا شيء أشد خواء من حياة ضائعة غفلت عن ربها والتوكل عليه لا لشيء إلا للخوف من المستقبل، والمؤمل غيب ولك الساعة التي أنت فيها، والشاطيء الآخر من الخوف لا شيء فيه سوى (عدم) لا يمكن تخيله ولا الحكم عليه.
مقتطفات أخرى
صحابة رسول الله كانوا عربًا قبل أن يكونوا صحابة مؤمنين صالحين، ثم صقل الإيمان عروبتهم، ولا شيء أقرب لجوهر الرجولة من عروبة الصحراء القاسية قد صقلتها نداوة الإيمان الذي أوحى به الله على سيد الرجال والأنبياء محمد بن عبد الله.
أعطانا الإسلام هدية عظمى بأن جعل معدن هذه الرسالة الخاتمة عربيًا، ثم أعطانا هدية عظيمة أخرى بأن أعطانا سير الرعيل الأول لتكون ميثاقًا للرجولة، وورثنا عن العرب موروثًا رجوليًا رائعًا احتوته كتب الأدب ولا يضره أن احتاج لشيء من فك الاشتباك بين رجولة العرب وخشونة الأعراب.
ثم جئنا نحن فتلونا هذا كله هذًا كهذ الشعر، ثم تركناه وراءنا، وذهبنا نربي أبناءنا على قواعد التهذيب المدرسي، حيث يكون معيار أدب الرجل هو نفس معيار أدب الفتاة، وجعلنا قواعد التهذيب المدرسي ميثاقًا للرجولة، فإذا ترقى الرجل فدخل في التدين صقل قواعد التهذيب المدرسي بتدين انتقائي فيه من النسك الأعجمي والتصوف المسيحي أكثر مما فيه من هذا الدين العربي الفحل.
وإذا أردنا أن نكسر دائرة السوء هذه فلابد أن ننطلق من أساس أولي وهو أن تربية الذكر على قواعد التهذيب المجتمعي التي حفظناها عن أهلنا وعن معلمينا وتلوناها حكمًا مأثورة من الغلاف الخلفي للكراسات في الثمانينات= هي ببساطة عملية قتل منتظم للرجولة.
ربع إيدك.
اقعد مؤدب.
لو حد ضربك قل للمس.
ما تعملش دوشة.
ما تكسرش حاجة.
مش عاوز مشاكل.
حرص سلامة أمان هدوء سلامة حرص هدوء أمان هدوء أمان سلامة حرص.
وطائفة أخرى استمدوا قواعد الرجولة من تقليد اجتماعي فاسد، فمعالم الرجولة يربونها عن طريق أن يجرب الولد رجولته بالعدوان على أخته، أو بقتل طفولته وتحميله ما لا يحتمل.
ولا يمكن للذكر أن يكون رجلًا عن طريق هذه القواعد التي تؤسس للبلطجة، أو تلك التي تكبت جموحه وتعتبر عدوانيته شذوذًا، فبقدر استسلامه لهذا ستُقتل رجولته، وبقدر تطرفه عنه ستنبت فيه رجولة خائفة، والرجولة المجروحة المهذبة هي التي يسميها الناس أدبًا، والرجولة المجروحة الخائفة هي التي يسميها الناس البلطجة، والبلطجية، هم الوجه الآخر لعملة الأولاد المهذبين، كلاهما رجولة قتلت أو شوهت.
وليس المراد بقطع العلائق ألا يتعلق الإنسان بشيء؛ فذلك لا يكون، وقد فطر الله العباد على التعلق، كما فطرهم على المحبة والبغض، وقد كان لرسول الله: فاطمة وإبراهيم، وخديجة وعائشة والصديق والفاروق، فليس موضع الابتلاء ألا نتعلق بمن نحب، كما أنه ليس موضع الابتلاء ألا نحب، وإنما موضع الابتلاء في أمرين:
الأول: أن يكون التعلق به سبحانه هو المهيمن على باقي التعلقات فلا يحمل تعلق منها على معصيته، ولا تعظم محبة من المحاب على محبته سبحانه.
ومن ذاك قوله عليه الصلاة والسلام: لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها.
والثاني وهو لب الروحانية والعبادة: القدرة على التسامي والانفصال عن سائر التعلقات ولو في غير معصية، لمجرد تحقيق الإيمان بأن الله أكبر، وهذه تحتاج لبيان أوسع أرجو أن يفتح الله به.