أحمد سالم

أحمد سالم

اختلف العلماء في حكم رسم صور ذوات الأرواح بحيث يكون الرسم للجسم كاملًا..

فمحل النزاع لا يشمل الصور والرسومات والمجسمات التي هي رأس بلا جسد مثل البورتريه، وكذلك التماثيل النصفية=  كل ذلك حلال لا حرج فيها؛ لأن الله لم يخلق آدميًا على هذه الصورة التي لا تقوم بها حياة

قال ابن قدامة في المغني: ((وإن قطع منه ما لا يبقي الحيوان بعد ذهابه، كصدره أو بطنه، أو جعل له رأس منفصل عن بدنه، لم يدخل تحت النهي، لأن الصورة لا تبقي بعد ذهابه، فهو كقطع الرأس.
وإن كان الذاهب يبقي الحيوان بعده، كالعين واليد والرجل، فهو صورة داخلة تحت النهي. وكذلك إذا كان في ابتداء التصوير صورة بدن بلا رأس، أو رأس بلا بدن، أو جعل له رأس وسائر بدنه صورة غير حيوان، لم يدخل في النهي؛ لأن ذلك ليس بصورة حيوان)).

فيكون محل النزاع متعلقًا  بحكم رسم آدمي أو حيوان بحيث يكون جسمه أو ما يكفي للحياة من جسمه= كله ظاهر في الصورة..

جمهور الفقهاء على حرمة رسم ذوات الأرواح، واستدلوا بما جاء عن سعيد بن أبي الحسن قال: كنت عند ابن عباس رضي الله عنهما، إذ أتاه رجل فقال: يا أبا عباس، إني إنسان إنما معيشتي من صنعة يدي، وإني أصنع هذه التصاوير، فقال ابن عباس: لا أحدثك إلا ما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول, سمعته يقول: "من صوّر صورة، فإن الله معذبه حتى ينفخ فيها الروح، وليس بنافخٍ فيها أبدًا" فربا الرجل ربوة شديدة، واصفر وجهه، فقال ابن عباس: ويحك، إن أبيت إلا أن تصنع، فعليك بهذا الشجر، وكل شيء ليس فيه روح.

وذهب بعض المالكية وغيرهم إلى أن الصورة المحرمة هي المجسمات والتماثيل أما الرسم والتصوير فليست هي المقصودة في الحديث، وإنما تعلق نظر الشريعة بالتماثيل لأنها من جنس الأصنام وفيها المضاهاة للخلق الإلهي بتشكيل الأعضاء.

واستدلوا بحديث عائشة رضي الله عنها: «أنها كانت اتخذت على سهوة لها سترا فيه تماثيل، فهتكه النبي صلى الله عليه وسلم، فاتخذت منه نمرقتين، فكانتا في البيت يجلس عليهما»

فقالوا إن هذا يدل إن الصورة المنهي عنها هي التماثيل، وبالتالي الصور والرسومات التي ليست جسمًا له ظل= ليست هي الصور المحرمة في الحديث.

قال ابن عبد البر:  ((واختلف الناس في الصور المكروهة فقال قوم إنما كره من ذلك ما له ظل وما لا ظل له فليس به بأس)).

قال الدردير في "الشرح الكبير" (2/ 337): " وَالْحَاصِلُ: أَنَّهُ يَحْرُمُ تَصْوِيرُ حَيَوَانٍ، عَاقِلٍ أَوْ غَيْرِهِ، إذَا كَانَ كَامِلَ الأَعْضَاءِ، إذَا كَانَ يَدُومُ إجْمَاعًا، وَكَذَا إنْ لَمْ يَدُمْ عَلَى الرَّاجِحِ، كَتَصْوِيرِهِ مِنْ نَحْوِ قِشْرِ بِطِّيخٍ. وَيَحْرُمُ النَّظَرُ إلَيْهِ؛ إذْ النَّظَرُ إلَى الْمُحَرَّمِ حَرَامٌ.

بِخِلافِ نَاقِصِ عُضْوٍ، فَيُبَاحُ النَّظَرُ إلَيْهِ، وَغَيْرِ ذِي ظِلٍّ، كَالْمَنْقُوشِ فِي حَائِطٍ أَوْ وَرَقٍ، فَيُكْرَهُ إنْ كَانَ غَيْرَ مُمْتَهِنٍ، وَإِلا، فَخِلافُ الأَوْلَى، كَالْمَنْقُوشِ فِي الْفُرُشِ" انتهى.

وما ذكره ابن عبر البر من الإباحة بلا كراهة هو الذي أفتي به وأراه أصح والله أعلم، مع اتساع الخلاف والاجتهاد للقول الآخر.

فالحاصل: أن المقصود بالصور المحرمة في الشرع هي التماثيل المجسمة بشرط أن تكون كاملة كمالًا يكفي لقيام الحياة بالإنسان أو الحيوان.

فالرسومات والصور الكارتونية مباحة بلا حرج، والله أعلم.

مشاركة

مقتطفات أخرى

ما دمتُ اخترتُ أن أكون طرفًا في علاقة معك، فمن حقك أن أقبلك كما أنت، وألا أجعل تغييرك عما أنت عليه شرطًا للعلاقة؛ لأني لو لم أقبلك كما أنت، أو كان تغيرك ضرورة عندي= فلم يكن ينبغي أن أدخل معك في علاقة أصلًا..

قد أحثك بلطف على التغيير الإيجابي، لكن لا أجعل هذا التغيير شرطًا في العلاقة، أو أكدر أجواء العلاقة بمطالب التغيير..

كل هذا صحيح..

لكن الخلط الذي يقع هنا، ويتم التسويق لعلاقات فاسدة تحت ستار هذا الخلط: أن هناك فرقًا بين المطالبة بتغيير طبيعة أحد طرفي العلاقة، وبين المطالبة بتغيير طبيعة العلاقة..

بمعنى: أنا لا أطالبك بتغيير نفسك، لكني لن أتنازل قط عن طبيعة معينة لعلاقتنا تحترم ثوابتي القيمية والأخلاقية وتحترم بطريفة متوازنة طبيعة اختلافنا..

لا أطالبك بتغيير عيبك، لكن إذا وصل هذا العيب لحد تهديد طبيعة العلاقة وإفسادها فهنا ينبغي أن تغير حدوث هذا وتأثيره على العلاقة سواء تغيرت أنت أم لم تتغير..

هناك توازن يجب أن يوجد بين أن أقبلك كما أنت، وبين أن تحترم حدودي واستحقاقات العلاقة القائمة بيننا..
تصور القبول غير المشروط أنه قبول لكونك تستمر في إساءات لا تحترم حدودي وحقوقي والأسس العامة للعلاقة الصحية، وتصور المطالبة بتغيير التصرفات المسيئة على أنه مطالبة بتغيرك أنت= كل ذلك خلط غير مقبول، ولن يصل بطرفي العلاقة-أية علاقة- إلا إلى طريق مسدود، وحياة بائسة..

اقرأ المزيد

كثير من الناس إذا رأى المنكر، أو تغير كثير من أحوال المسلمين= جزع وكل وناح كما ينوح أهل المصائب، وهو منهي عن هذا، بل هو مأمور بالصبر والتوكل والثبات على دين الإسلام، وأن يؤمن بأن الله مع الذين اتقوا. 

ابن تيمية.

اقرأ المزيد