أحمد سالم

أحمد سالم

((لنا صديقة تدعى بيجي Peggy. قررت أن تترك عملها وأن تلزم المنزل من أجل أبنائها. إنها جميلة وذكية. وقد ضحت بدخل كبير باختيارها أن تترك عملها. كان زوجها أستاذاً في إحدى الجامعات المرموقة في الساحل الشرقي. أخبرتني مؤخراً أنها لطالما كانت تشعر بالارتباك عند حضور المناسبات الاجتماعية الخاصة بأعضاء هيئة التدريس. خاصةً حين كان البعض يسألونها ((ماذا تعملين يا عزيزتي؟)) في البداية كانت تقول في خجل ((إنني أم فحسب)). وعادةً ما كان الرد الذي تتلقاه هو ((هذا جيد)). 

حتى توصلت صديقتنا بيجي لإجابة جديدة: ((أقوم بتربية إنسانين عاقلين على المبادئ السائدة للتقليد والدين كي يكونا آلتين نافعتين في تحويل النظام الاجتماعي إلى المدينة الفاضلة الأخروية التي قصدها الله منذ بداءة الخليقة!)) 

إن وصف بيجي لتربية الأبناء يذكرنا بأنه سواء اخترنا ملازمة المنزل مع الأبناء أو الذهاب إلى العمل خارج المنزل. فوظيفتنا الحقيقية هي تنمية أسرة سوية وسعيدة. وأن أي أمر آخر نقوم به يعد أمراً ثانوياً)).

مشاركة

مقتطفات أخرى

يُستمد إحساس الرضا الغالب الذي يسميه الناس السعادة من مصدرين:

ممارسة أفعال اللذة ولو لم يكن لها قيمة معنوية: الطعام، الجنس، اللهو واللعب، لذات الامتلاك والسلطة.

ممارسة أفعال الجدوى والقيمة والمعنى ولو لم تستشعر لذتها: العطاء، الممارسات الدينية الروحية، المسؤوليات الأسرية والاجتماعية.

غالبًا: لا تخلو أفعال اللذة من قيمة ولو محدودة ولا تخلو أفعال القيمة من لذة ولو محدودة، لكن العبرة بالغالب.

الاقتصار على أحد المسارين فقط لا يمكن أن يكفي الإنسان لسعادة مستدامة، بل تغمره مشاعر الألم بعد مدة تطول أو تقصر.

كلما تنوعت المصادر التي يجني منها الإنسان سعادته وجمعت بين المسارين= أمكنه أن يستديم السعادة وأن يستعين بها على مصاحبة الآلام التي لا تخلو منها الدنيا.

الإسلام لا يحارب سعادة اللذة لكن يوضح لك أن متاعها قليل وأن الآخرة أبقى وأكمل: 

زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ، قُلْ أَؤُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِنْ ذَلِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ

الإسلام لا يحارب سعادة اللذة لكن يطلب الموازنة بينها وبين سعادة القيمة: 

يا حنظلة: ساعة وساعة.

ويطلب أيضًا أن تُجعل اللذائذ خادمة للقيمة لا تُلهيك عنها: 

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ.

ويطلب منك أن تجعل اللذائذ خادمة للقيمة بدرجة متوازنة لأن أكثر منها يفسدك فتكون كالمنبت لا أرضًا قطع ولا ظهرًا أبقى:

إِنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا يُؤْتِكُمْ أُجُورَكُمْ وَلَا يَسْأَلْكُمْ أَمْوَالَكُمْ  إِنْ يَسْأَلْكُمُوهَا فَيُحْفِكُمْ تَبْخَلُوا وَيُخْرِجْ أَضْغَانَكُمْ  هَاأَنْتُمْ هَؤُلَاءِ تُدْعَوْنَ لِتُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَمِنْكُمْ مَنْ يَبْخَلُ وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ.

الإسلام لا يحارب سعادة اللذة لأجل ذلك جعل من نعيم الآخرة سعادة اللذة فوعدنا بنعيم من الطعام والشراب والجنس.

ولأجل كون سعادة القيمة هي الأعلى والأسمى= جعل الله أعظم نعيم الجنة رؤية وجهه الكريم، ولما عبر رسول الله عن هذا لم يجعل سعادة الرؤية في القيمة فحسب وأنك ترى ربك وخالقك وإنما سماها في دعائه فقال: وأسألك لذة النظر إلى وجهك.

اقرأ المزيد

شرع الله الحداد؛ لأننا نحتاج إلى أن ننوح على خسارتنا، نحتاج لاستقبال الحزن وإكرام ضيافته فهو سائل يضرنا نهره ولا ينفعنا صده.

كبت الحزن والألم ليس صبرًا، بل هو تجلد خادع إما يصدع النفس، وإما يكشف عن غلظة الحجاب الحاجز بين المرء ونفسه.

شرع الله العزاء فنستقبل المعزين لنا؛ لأننا نحتاج أن نتشارك آلامنا مع من نحبهم ونثق بهم، نحتاج أن نسمح للذين يحبوننا، أن يواسونا، وأن يقولوا لنا: إنهم يتفهمون خسارتنا ويتعاطفون معنا، وأنهم يألمون لألمنا.

النوح على الخسارة وتشارك مشاعر الألم نحوها= كل ذلك يحررك ويعينك على التجاوز ويسمح لك بمواصلة العيش، واستكمال الرحلة نحو ذاك المكان الذي يلتقي فيه الأحبة وتُنسي الغمسةُ فيه كل شقاء.

اقرأ المزيد