
أحمد سالم
رهق العيش له مختلف الصور، فبعض الناس يرهقه فقره، وبعض الناس يرهقه مرضه، وبعض الناس يرهقه أهله، وبعض الناس يرهقه صحبه، وبعض الناس يرهقه ظالمه، وبعض الناس يرهقه ذنبه، وبعض الناس يرهقه ندمه، وبعض الناس يرهقه عقله.
وعلى الرغم من أن الرهق ثقيل كله، إلا أن أثقله: رهق محبوس بين الضلوع يأخذ بأكظامك همًا وغمًا، والغم يُثقل اللسان كأنما هو قطعة صخر يابسة، وإذا ثقل اللسان فإنه يصبح كالسد يحجز أنفاس الروح، والرهق المحبوس إلى جوار النفس المكتوم يجمعان شرًا إلى شر، فأنت هناك منفرد معزول ولو كنت في ضجيج من الخلق، وحيد مهجور فلا يواسيك حبيب قريب، ولا ينطلق لسانك تشكو إلى السميع المجيب.
مقتطفات أخرى
إذا كنت تشعر بالتعاسة في علاقة ما (صداقة أو زواج أو رحم)= فالأمر ببساطة لن يخرج عما يلي:
(١) أخطاء سلوكية منك أو منه أو منكما معًا باختلاف النسبة.
(٢) تفسيرات خاطئة لسلوكيات عادية تقع منه، وهو كذلك قد يتورط في التفسيرات الغلط.
وفي العلاقات كما في الحياة كلها، سعادتك وتعاستك مسؤوليتك أنت، لا يمكنك انتظار السعادة من أحد، ولا يمكنك جعل سعادتك تنطلق عندما يدق جرس تغيير شخص آخر، الناس لا يتغيرون لأجل أحد، ويتغيرون ذاتيًا بصعوبة بالغة..
ومسؤوليتك تتحدد في ثلاثة أمور:
(١) مسؤوليتك في أداء الذي عليك، وفي التعامل مع أخطائك بالاعتراف والمداواة.
(٢) مسؤوليتك في مراجعتك لتفسيراتك الغلط التي تؤدي لتهمة الطرف الآخر بإساءة وهمية.
(٣) مسؤوليتك في إنهاء علاقة مسيئة، أو لا تستطيع التعايش معها، طالما الإنهاء هو القرار الصحيح.
سعادتك مسؤوليتك، والعلاقات الإنسانية كلها واحدة من مصادر الدعم والفرح، فإن عجزت علاقة منها عن أداء مهمتها= فهذا لا يعني أن الحياة كلها تصير تعسة، وإذا صارت الحياة كلها تعسة بسبب علاقة فلا ينبغي أن تلوم أحدًا على هذا سوى نفسك.
صحابة رسول الله كانوا عربًا قبل أن يكونوا صحابة مؤمنين صالحين، ثم صقل الإيمان عروبتهم، ولا شيء أقرب لجوهر الرجولة من عروبة الصحراء القاسية قد صقلتها نداوة الإيمان الذي أوحى به الله على سيد الرجال والأنبياء محمد بن عبد الله.
أعطانا الإسلام هدية عظمى بأن جعل معدن هذه الرسالة الخاتمة عربيًا، ثم أعطانا هدية عظيمة أخرى بأن أعطانا سير الرعيل الأول لتكون ميثاقًا للرجولة، وورثنا عن العرب موروثًا رجوليًا رائعًا احتوته كتب الأدب ولا يضره أن احتاج لشيء من فك الاشتباك بين رجولة العرب وخشونة الأعراب.
ثم جئنا نحن فتلونا هذا كله هذًا كهذ الشعر، ثم تركناه وراءنا، وذهبنا نربي أبناءنا على قواعد التهذيب المدرسي، حيث يكون معيار أدب الرجل هو نفس معيار أدب الفتاة، وجعلنا قواعد التهذيب المدرسي ميثاقًا للرجولة، فإذا ترقى الرجل فدخل في التدين صقل قواعد التهذيب المدرسي بتدين انتقائي فيه من النسك الأعجمي والتصوف المسيحي أكثر مما فيه من هذا الدين العربي الفحل.
وإذا أردنا أن نكسر دائرة السوء هذه فلابد أن ننطلق من أساس أولي وهو أن تربية الذكر على قواعد التهذيب المجتمعي التي حفظناها عن أهلنا وعن معلمينا وتلوناها حكمًا مأثورة من الغلاف الخلفي للكراسات في الثمانينات= هي ببساطة عملية قتل منتظم للرجولة.
ربع إيدك.
اقعد مؤدب.
لو حد ضربك قل للمس.
ما تعملش دوشة.
ما تكسرش حاجة.
مش عاوز مشاكل.
حرص سلامة أمان هدوء سلامة حرص هدوء أمان هدوء أمان سلامة حرص.
وطائفة أخرى استمدوا قواعد الرجولة من تقليد اجتماعي فاسد، فمعالم الرجولة يربونها عن طريق أن يجرب الولد رجولته بالعدوان على أخته، أو بقتل طفولته وتحميله ما لا يحتمل.
ولا يمكن للذكر أن يكون رجلًا عن طريق هذه القواعد التي تؤسس للبلطجة، أو تلك التي تكبت جموحه وتعتبر عدوانيته شذوذًا، فبقدر استسلامه لهذا ستُقتل رجولته، وبقدر تطرفه عنه ستنبت فيه رجولة خائفة، والرجولة المجروحة المهذبة هي التي يسميها الناس أدبًا، والرجولة المجروحة الخائفة هي التي يسميها الناس البلطجة، والبلطجية، هم الوجه الآخر لعملة الأولاد المهذبين، كلاهما رجولة قتلت أو شوهت.