
أحمد سالم
الزينة المباحة للمرأة والمأذون في إظهارها أمام الأجانب، طالما المرأة ليست في عدة وفاة:
(1) اللباس وهذا باتفاق الفقهاء ولا يمنع من ألوان معينة فيه، بل كل الألوان فيه مباحة إلا ما كان ملفتا لفتا زائدا عن المعتاد فيُكره ويرجع في تقديره للعرف.
(2) الوجه والكفان عند جماهير الفقهاء.
قال القاضي عياض: ((في هذا كله عند العلماء حجة أنه ليس بواجب أن تستر المرأة وجهها، وإنما ذلك استحباب وسنة لها، وعلى الرجل غض بصره عنها. وغض البصر يجب على كل حال في أمور: كالعورات وأشباهها. ويجب مرة على حال دون حال مما ليس بعورة؛ فيجب غض البصر إلا لغرض صحيح من شهادة أو تقليب جارية للشراء، أو النظر لامرأة للزواج، أو نظر الطبيب، ونحو هذا... ولا خلاف أن فرض ستر عورة الوجه مما اختص به أزواج النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ منذ نزل الحجاب)).
🟢 ومن نفائس ما يورد هنا: قول شيخ الإسلام تبعًا لابن قدامة: ((في عورة المرأة الحرة البالغة: وجميعها عورة يجب عليها ستر بدنها في الصلاة إلا الوجه، وفي الكفين روايتان»، وقال: «وأمَّا الوجه؛ فلا تستره في الصلاة إجماعًا. وأمَّا الكفان إلى الرسغين؛ ففيهما روايتان»
ثم ذكر توجيه رواية أنَّ الكفين ليسا بعورة في الصلاة، ومنها آية الإبداء، ثم قال: «قال ابن عباس: هو الوجه والكفان. وهو كما قال؛ لأنَّ الوجه والكفين يظهران منها في عموم الأحوال ولا يمكنها سترهما مع العمل المعتاد، ولأنَّه قال: {وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ}، فأمرهن بإرخاء الخمر على الجيوب لستر أعناقهن وصدورهن، فلو كان ستر الوجه واليدين واجبًا لأمر كما أمر بستر الأعناق)).
وفيه ترجيح من ابن تيمية القديم لهذا المذهب، وأنَّ تفسير ابن عباس هو الصحيح، وأنَّه لا يمكن سترهما عادة، لكن المهم هنا هو فهمه لدلالة الخمار.
🟢 ولاحظ كيف لم يذكر من دلالات الخمار ولا من صفته أنه يستر الوجه، وكيف فهم أن الشريعة لو أرادت من الخمار تغطية الوجه لطلبت سحبه على الوجه كما طلبت سحبه على العنق والصدر؛ مما يدل دلالة قاطعة على أن دلالة الخمار وصفته الذاتية كانت تغطية الرأس فحسب، وأنه يسحب على العنق والصدر دون أن يلزم من ذلك لا شرعًا ولا صفة معهودة= تغطية الوجه.
(3) ويزاد عليهما جواز ظهور القدمين فيما أختاره وهو مذهب الأحناف.
يقول الإمام الكاساني الحنفي: ((والمراد من الزينة مواضعها، ومواضع الزينة الظاهرة الوجه والكفان، فالكحل زينة الوجه والخاتم زينة الكف، بكشف الوجه والكفين، فيحل لها الكشف. وهذا قول أبي حنيفة - رضي الله عنه -. وروى الحسن عن أبي حنيفة - رحمهما الله - أنَّه يحل النظر إلى القدمين أيضًا. وجه هذه الرواية ما روي عن سيدتنا عائشة - رضي الله تعالى عنها - في قوله - تبارك وتعالى -: {إلا ما ظهر منها} [النور: 31] القلب والفتخة. وهي خاتم إصبع الرجل فدل على جواز النظر إلى القدمين. ولأنَّ الله - تعالى - نهى عن إبداء الزينة واستثنى ما ظهر منها، والقدمان ظاهرتان ألا ترى أنَّهما يظهران عند المـشي؟ فكانا من جملة المستثنى من الحظر، فيباح إبداؤهما)).
(4) الكحل
قال الطبري:وأولى الأقوال في ذلك بالصواب : قول من قال : عني بذلك : الوجه والكفان يدخل في ذلك إذا كان كذلك : الكحل والخاتم والسوار والخضاب.
(5) ونزع شعر الوجه، والأخذ من الحاجب بما يزيل قبحه بلا إسراف في الأخذ.
قال الإمام النفراوي في شرح الرسالة: ((والتنميص هو نتف شعر الحاجب حتى يصير دقيقا حسنا، ولكن روي عن عائشة - رضي الله عنها - جواز إزالة الشعر من الحاجب والوجه وهو الموافق لما مر من أن المعتمد جواز حلق جميع شعر المرأة ما عدا شعر رأسها، وعليه فيحمل ما في الحديث على المرأة المنهية عن استعمال ما هو زينة لها كالمتوفى عنها والمفقود زوجها.
(6) الأسورة، من زينة اليد بشرط عدم تعمد ظهور الصوت عند تحريك اليد.
(7) خضاب اليد وتلوينها، ويدخل فيه النقش كالتاتو بالرسم والتلوين وليس الوشم، والتطريف كالمانيكير لكن بعض العلماء كره النقش والتطريف؛ لأنه قد يلفت النظر بصورة زائدة، والمختار عدم الكراهة،.
قال ابن جزي: ((ويجوز لها أن تخضب يديها ورجليها بالحناء وأجاز مالك التطريف وهو صبغ أطراف الأصابع والأظافر)).
وورد في بعض الاحاديث ذم رسول الله لامرأة لخلو يدها من الخضاب وقال: كأنها يد رجل، لكن أسنادها ضعيف، وإن كان تداول كتب الحديث لها فيه إشارة لطيفة لتداول معناها مجتمعيا..
(8) من يحرم كشف الوجه والكفين سيمنع بالتالي من ظهور أية زينة مرتبطة بالوجه والكفين، لكن القول الذي نختاره هو جواز كشفهما وظهور زينتهما.
وما تقدم هو على المختار من أقوال الفقهاء، ولا يُطلب من المخالف غير الاحترام والاعتراف..
🟢 والشريعة في القول الذي نختاره لا تمنع ظهور زينة المرأة ولا تمنع أن تكون لها زينة تلفت بدرجة ما، وإنما تأذن في ظهور زينة معينة ودرجة معينة من اللفت، وتمنع مما فوقها؛ لأن طريقة الشريعة فيما تتشوف له النفوس أنها تنظمه وترشده ولا تعدمه، والمرأة بطبيعتها تحب الحلية والزينة، وتخاطب بذلك الناظر بقواعد وأحكام النظر والمختار فيها هو ما ذكره أبو المظفر السمعاني بقوله : ((يجوز النظر إلى وجه المرأة وكفيها من غير شهوة، وإن خاف الشهوة غضّ البصر، واعلم أن الزينة زينتان: زينة ظاهرة، زينة باطنة؛ فالزينة الظاهرة هي الكحل والفتخة والخضاب إذا كان في الكف، وأما الخضاب في القدم فهو الزينة الباطنية، وأما السوار في اليد، فعن عائشة أنه من الزينة الظاهرة، والأصح أنه من الزينة الباطنة، وهو قول أكثر أهل العلم، وأما الدملج والمخنقة والقلادة، وما أشبه ذلك= فهو من الزينة الباطنة، فما كان من الزينة الظاهرة يجوز للأجنبي النظر إليه من غير شهوة، وما كان من الزينة الباطنة لا يجوز للأجنبي النظر إليها، وأما الزوج ينظر ويتلذذ، وأما المحارم ينظرون من غير تلذذ)).
وفي تفسير ابن المنذر عن أنس بن مالك قال: «الكحل والخاتم». قال ابن حزم: «هذا عنه في غاية الصحة».
وعند ابن أبي شيبة بإسناد صحيح عن عطاء قال: «الزينة الظاهرة: الخضاب والكحل».
وروى ابن معين في فوائده بإسناد صحيح عن عكرمة قال: «ثيابها وكحلها وخضابها».
وروى الطبري في تفسيره بسند صحيح عن مجاهد: «الكحل والخضاب والخاتم».
وعنده أيضا بإسناد صحيح عن قتادة قال: «الكحل والسواران والخاتم».
وعن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم قال: «الكحل والخضاب والخاتم. هكذا كانوا يقولون. وهذا يراه الناس» وإسناده صحيح.
وتأمل قوله: هكذا كانوا يقولون ومقصده بها السلف مش مجرد قول قديم كده منسوخ محدش يعرفه، وتأمل قوله: وهذا يراه الناس.
وقال الطبري في تفسير قوله تعالى ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها:
وأولى الأقوال في ذلك بالصواب : قول من قال : عني بذلك : الوجه والكفان يدخل في ذلك إذا كان كذلك : الكحل والخاتم والسوار والخضاب.
تنبيه: ذكر العلماء لهذه المباحات من زينة الوجه يدل على حرمة الزيادة عليها فقد كانوت يعرفون أصباغ الوجه ولو كانت من الزينة المباح إظهارها= لذكروها كما ذكروا الكحل، وقد أشار لها بعض المتأخرين كالرازي والزمخشري بما لا يوجد له أصل في كلام الصحابة والتابعين وأتباعهم وأئمة المذاهب.
والحمد لله وحده.
مقتطفات أخرى
عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال «ما من غازيَةٍ أو سَرِيَّةٍ تغزو فَتَغْنَم وَتَسْلَمُ إلا كانوا قد تَعَجَّلُوا ثُلُثَي أُجُورِهِمْ، ومَا من غَازِيَةٍ أَوْ سَرِيَّةٍ تُخْفِقُ وَتُصَابُ إِلاَّ تم أُجُورُهُمْ».
لا يخبرنا هذا الحديث فقط بأن النصر والغلبة الدنيوية ليست هي مدار العمل والأجر، بل أبلغ من ذلك يخبرنا أن تمام الأجر يحدث مع الإخفاق والهزيمة، وذلك لأن المنتصر يرى بعين الشهادة ما يرضي نفسه ويثبت إيمانه، أما من أخفق وانهزم فهو ثابت على إيمانه بالغيب يرجو وعد الآخرة.
والنصر له ألف أب يدعونه وينتسبون إليه ويظنون معه صحة ما هم عليه، ويغنمون من الدنيا ما يحل لهم لكنه يكون جزاء معجلًا لا يستوي مع من أجل جزاءه ليوم الحق المشهود.
أما أولئك الراسخين الثابتين على الرغم من غياب النصر الدنيوي فأولئك يتم إيمانهم ويتم أجرهم.
وفي هذا المعنى يقول عبد الرحمن بن عوف: ((قُتِل مُصعب بن عمير رضي الله عنه وهو خيرٌ مني، فلم يوجد له ما يُكفَّن فيه إلا بُردة إن غُطِّيَ بها رأسه بَدَت رِجْلاه؛ وإن غُطِّيَ بها رجلاه بدا رأسه، ثم بُسِط لنا مِنَ الدنيا ما بُسِط، أو قال: أُعْطِينا من الدنيا ما أُعطِينا، قد خَشِينَا أن تكون حَسَنَاتُنا عُجِّلَت لنا، ثم جعل يبكي حتى ترك الطعام)).
وإن أعظم غيب آمنت به= غيبٌ تكون في شهادته راحةُ نفسك؛ فإنك إن صبرت على ألمِ الغيب وآمنت به، ورضيت أن تَبقى مؤمنًا به وهو غيب لم ترى شهادته بالنصر وعقوبة الظالم في الدنيا، رغم أن راحتك في شهادته وأن تنال العافية وتشتفي من ظالمك= كان لك من أجر المؤمنين بقدر صبرك وألمك، ما لا يكون لمن شهد هذا الغيب فأراه الله ما يشفي صدره في الدنيا.
هناك سبب منطقي وطبيعي وإنساني للغاية، في شيوع فكرة (غدر الصحاب) وكونها محتوى مضمون كفيل بجذب الانتباه؛ لذلك يحرص عليها صانعو الأغاني الشعبية.
الغدر وقلة وفاء من أحسنت إليهم، وما يصيبك من وراء ذلك من الإحباط وخيبة الأمل= أمر ثقيل جدًا ممض للنفس ومرهق للروح، جرح قلب نازف فإذا ما اندمل لم يزُل ألمه إلا قليلًا.
لعله لأجل ذلك عظم إثم النساء بكفران العشير؛ لأن الرجل حقًا يحمل مسؤولية عظيمة جدًا وثقيلة جدًا، فإذا ما قوبلت بالكفران= لم يكن لألم ذلك مثل.
وإذا ما نجاك الله من كفران من أحسنت إليه، لم تنج من قلة شكره لك؛ لأجل ذلك يصد الناس عن الإحسان فإن فيه معاندة للهوى، فإذا كان جزاؤها الكفران قلت دواعي الإحسان في النفس.
ولأجل ذلك كله، من يبق على جميل طبعه محسنًا للناس صابرًا عليهم مستلهمًا الأجر من ربه= فذاك مرابط على ثغر قل حماته وعز من يطلبه ويقوم عليه ويؤديه حقه.