
أحمد سالم
الأسلمة الحقيقية لأية بنية تقتضي إصلاح ثلاثة أركان للبنية:
الأول: منظومة قيمها.
الثاني: منظومة أهدافها.
الثالث: منظومة الأفكار والأدوات والوسائل وسياسات الربط بين النظر والعمل.
وهو إصلاح قد يصل لحد النقض والقلب وقد يكون مداه أقل من ذلك، بحسب درجة تغلغل الباطل في تلك البنية.
الأسلمة السطحية أو الشكلية لا تحقق نتائج كبيرة في أي ركن من هذه الأركان.
سأتجاوز الآن شرح مفهوم الأسلمة نفسه وإشكالياته، لأنتقل إلى فكرتي الأساسية هنا:
عندما نتكلم عن استحالة الأسلمة لبعض البنى، يرجع ذلك بدرجة أساسية لاستعصاء هذه البنية على البقاء والحفاظ على جوهرها بعد تعديل هذه المكونات، وهذا على فرض قدرتك على هذا التعديل.
يشبه الأمر الفرق بين السيارة الخاصة وقطار المترو، الأولى يمكنك أن تحولها لتاكسي بأن تدخل تعديلات كثيرة جدا على أهدافها ووجهتها ونظامها الداخلي، وسيتحول لتاكسي مع بقاء جوهر السيارة.
أما قطار المتر فيستحيل تحويله إلى تاكسي إلا بتعديلات تنتهي في النهاية إلى تحوله إلى جوهر مختلف وبعمليات تقتضي إخراجه من نظام السكك الحديدية، وتشبه قلب الجنس لا تعديل المكونات.
يمكنك تحويل حضانة إلى كتاب لتحفيظ القرآن ومبادئ الأخلاق الإسلامية، الحضانة بنية تربوية حداثية، وإمكانيات أسلمتها وتعديل مكوناتها متاحة إلى حد كبير لأن نظامها العام مرن.
لكن لا يمكنك أسلمة كلية داخل جامعة حتى لو صرت عميدًا لها، لا يمكنك قلب بنيتها الحداثية وإخراجها من النظام والحصول لها على استقلال يشبه استقلال معاهد العلم التراثية، إلا بإخراجها خارج النظام وتحويلها إلى كيان مختلف غير بنية الجامعة الحداثية.
التقليل والتحسين وإخراج الأغاني الهابطة من إذاعة القطار أو اختيار أساتذة أو بعض الكتب على خلاف رغبة النظام؟
نعم هذه مساحة ممكنة لتقليل الشر والسعي لها في الجملة مشروع ما لم يختلط بفساد أكبر أو يؤدي إليه.
لكن توهم إمكانية أسلمتها حقًا بقلب مكونات القيم والأهداف والوسائل= مجرد أوهام، طالما لا زالت داخل النظام.
مقتطفات أخرى
من وجوه تفسير قوله تعالى: {إن الذين تولوا منكم يوم التقى الجمعان إنما استزلهم الشيطان ببعض ما كسبوا ولقد عفا الله عنهم إن الله غفور حليم}.
ما ذكره ابن عطية عن الزجاج وغيره قالوا: ((أن الشيطان ذكرهم بذنوب لهم متقدمة، فكرهوا الموت قبل التوبة منها والإقلاع عنها)).
قلت: فالآية فيمن فروا من الزحف يوم أحد، فكان مدخل الشيطان إليهم أن خوفهم ذنوبهم خوفًا قعد بهم عن الطاعة وأدخلهم في هلكة معصية هي أعظم من ذنوبهم.
وهذا أصل عظيم كثيرًا ما أنبه عليه: أن الندم المُقعد مرذول، وأن الخوف الذي يكون طريقًا للإيغال في الضلالة مهجور مذموم، وأن بغض المعصية وكراهة الذنب يُحمد طالما حركك للطاعة ولم يُذهلك عنها، وأن الحسنات يذهبن السيئات.
في حديث الأبرص والأقرع والأعمى، يقول رسول الله: فأراد الله أن يبتليهم.
وذكر ابتلاءهم أن الله استجاب لرجائهم فصرف عنهم ما بهم من المرض ومن عليهم بما طلبوه من المال، ثم أتاهم ملك من الملائكة في صورة رجل مسكين يسألهم شيئًا يتزود به، فأما الأبرص والأقرع فأمسكا عنه مالهما وقالا له: الحقوق كثيرة، فكانت عقوبتهما أن عاد إليهما ما كانا فيه من الفقر والمرض، وأما الأعمى فأراد أن يُعطي المسكين ما يشاء المسكين أخذه، فقال له الملك: أمسك مالك فإنما ابتليتم، فقد رضي الله عنك وسخط على صاحبيك.
وأنت إذا نظرت إلى هذا الذي أخبر رسول الله عنه أنه ابتلاء، وجدت أنهم ابتلوا بالعافية والنعمة وشكرها، وهذا الابتلاء ابتلاء خفي لا يشعر به الناس، فنحن نعيش في زحام من النعم لا نهتم بشكرها والامتنان لوجودها، ولا نشكرها بالطاعة والتوبة والاستغفار، وبلاء العافية والرخاء بلاء عظيم لو غفل الناس عنه فلم يؤدوا للنعمة حقها.