أحمد سالم

أحمد سالم

يُستمد إحساس الرضا الغالب الذي يسميه الناس السعادة من مصدرين:

ممارسة أفعال اللذة ولو لم يكن لها قيمة معنوية: الطعام، الجنس، اللهو واللعب، لذات الامتلاك والسلطة.

ممارسة أفعال الجدوى والقيمة والمعنى ولو لم تستشعر لذتها: العطاء، الممارسات الدينية الروحية، المسؤوليات الأسرية والاجتماعية.

غالبًا: لا تخلو أفعال اللذة من قيمة ولو محدودة ولا تخلو أفعال القيمة من لذة ولو محدودة، لكن العبرة بالغالب.

الاقتصار على أحد المسارين فقط لا يمكن أن يكفي الإنسان لسعادة مستدامة، بل تغمره مشاعر الألم بعد مدة تطول أو تقصر.

كلما تنوعت المصادر التي يجني منها الإنسان سعادته وجمعت بين المسارين= أمكنه أن يستديم السعادة وأن يستعين بها على مصاحبة الآلام التي لا تخلو منها الدنيا.

الإسلام لا يحارب سعادة اللذة لكن يوضح لك أن متاعها قليل وأن الآخرة أبقى وأكمل: 

زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ، قُلْ أَؤُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِنْ ذَلِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ

الإسلام لا يحارب سعادة اللذة لكن يطلب الموازنة بينها وبين سعادة القيمة: 

يا حنظلة: ساعة وساعة.

ويطلب أيضًا أن تُجعل اللذائذ خادمة للقيمة لا تُلهيك عنها: 

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ.

ويطلب منك أن تجعل اللذائذ خادمة للقيمة بدرجة متوازنة لأن أكثر منها يفسدك فتكون كالمنبت لا أرضًا قطع ولا ظهرًا أبقى:

إِنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا يُؤْتِكُمْ أُجُورَكُمْ وَلَا يَسْأَلْكُمْ أَمْوَالَكُمْ  إِنْ يَسْأَلْكُمُوهَا فَيُحْفِكُمْ تَبْخَلُوا وَيُخْرِجْ أَضْغَانَكُمْ  هَاأَنْتُمْ هَؤُلَاءِ تُدْعَوْنَ لِتُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَمِنْكُمْ مَنْ يَبْخَلُ وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ.

الإسلام لا يحارب سعادة اللذة لأجل ذلك جعل من نعيم الآخرة سعادة اللذة فوعدنا بنعيم من الطعام والشراب والجنس.

***

((كابدت الصلاة عشرين سنة ثم تمتعت بها عشرين سنة)).

((شغوف بعملي حتى أني أكره الأجازات)).

قولان مأثوران أحدهما لرجل من السلف الصالح وآخر لرائد أعمال أمريكي، وكلاهما يمثلان نموذجًا استثنائيًا يصل له بعض الناس في بعض الممارسات والتي تمتزج فيها اللذة والقيمة ويصلان معًا لمستويات عالية جدًا، ويمكنك السعي إلى هذا وتحصيلة لكن بالصبر والأناة فإن من استعجله أفسد عيشه.

ولأجل كون هذه الرتبة هي الأعلى والأسمى= جعل الله أعظم نعيم الجنة رؤية وجهه الكريم، ولما عبر رسول الله عن هذا لم يجعل سعادة الرؤية في القيمة فحسب وأنك ترى ربك وخالقك وإنما سماها في دعائه فقال: وأسألك لذة النظر إلى وجهك.

مشاركة

مقتطفات أخرى

انصرف أبو عُبَيْد القاسم بن سلام يومًا، فمرّ بدار إسحاق المَوْصِليّ، فقالوا له: يا أبا عبيد، صاحب هذه الدّار يقول: إنّ في كتابك " غريب المصنّف " ألف حرف خطأ. 
فقال: كتابٌ فيه أكثر من مائة ألف يقع فيه ألف خطأ= ليس بكثير.

 ولعلّ إسحاق عنده رواية، وعندنا رواية، فلم يعلم، والروايتان صواب، ولعلّه أخطأ في حروف، وأخطأنا في حروف، فيبقى الخطأ شيئا يسيرا.

هذا النص عظيم جدًا، والتأمل فيه يُنجي من كثير من تهويلات الذين جعلوا حق النقد والتخطئة مدخلًا لإسقاط من ثبت لدى عامة الشهداء بالحق علمهم وعدالتهم وسابق فضلهم.

اقرأ المزيد

اللبن هو أحد أكثر الأطعمة التي يسهل غشها؛ فيكفيك أن تضيف الماء بنسب يمكن أن تكون كبيرة ولا يؤدي ذلك إلى تغير لون ‍اللبن إلا بدرجات لا تكاد تلحظ.

لا تنكشف عملية الغش هذه لغير الخبير عند التذوق إلا لو زادت نسبة الماء ؛ معنى ذلك أن أمامك مساحة كبيرة من الزيادة حتى ينكشف الغش.

قياس نسبة الدسم هو الوسيلة العلمية لكنها لا تتاح لكل أحد.

الفكرة الأساسية في غش ‍اللبن هي أنك تغشه بمادة تتقاطع مع أحد مكونات ‍اللبن الرئيسية وهي الماء وبالتالي لا يحدث التغير في الشكل إنما يحدث التغير في المكونات الصلبة التي تميز ‍اللبن عن الماء أصلاً.

الخطاب الذي يقوم به من يسمون بالدعاة الجدد، ودعاة الإسلام الحضاري وكذلك خطاب التصوف الفولكولوري الانسحابي (وليس كل التصوف كذلك لكنه الغالب) : هو خطاب إسلامي يركز على ما هو مشترك بين الإسلام وغيره، هذا الاشتراك الذي يركزون عليه في الحقيقة هو اشتراك في الماء (ويا ليتهم تركوا الماء نقيًا بل لوثوه بالبدع ومخالفة القطعيات).

أما المكونات الصلبة التي تجعل ‍اللبن لبناً وليس ماء، وتجعل الإسلام ديناً حقاً خاتماً متميزاً عن بقايا الحق في الأديان المحرفة والثقافات الإنسانية؛ هذه المكونات المُمَيِزة تتوه وسط هذا الزحام وتلك المكاثرة بالماء في عملية غش للإسلام مفضوحة تأكل المادة الصلبة التي تشكل هويته، وتذيبها في هراء لا طعم له ولا لون ولا رائحة بدون تلك المكونات؛ ليصير ديناً منزوع الدسم، منخفض التكاليف.

اقرأ المزيد