أحمد سالم
قد قطع رسول الله أبا لهب لأجل أذاه، ولم يقطعه لأجل كفره، وقد وصل رسول الله أبا طالب لأجل رحمه مع إحسانه وهو كافر.
الرحم التي تضر وتؤذي وتظلم لا يجب وصلها، ولا يقال لمن قطعها أن عليه إثم قاطع الرحم..
وقد قال رسول الله: إن شر الناس منزلة عند الله يوم القيامة من ودعه الناس أو تركه الناس اتقاء فحشه. وفي رواية: اتقاء شره
ومن اختار الوصل فقد اختار الإحسان والفضل، والوصل لا يلزم منه أن يحبهم بل قد يصلهم لحصول الثواب وهو يبغضهم على ضررهم وظلمهم، ووصله لهم زيادة في إثمهم، كأنما يطعمهم الرماد الحار على معنى ما ورد في الحديث.
قال ابن عبد البر رحمه الله :
((وأجمع العلماء على أنه لا يجوز للمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث إلا أن يكون يخاف من مكالمته وصلته ما يفسد عليه دينه ، أو يولد به على نفسه مضرة في دينه أو دنياه ، فإن كان ذلك فقد رخص له في مجانبته وبعده ، ورب صرم جميل خير من مخالطة مؤذية)).
مقتطفات أخرى
لأسباب شتى يشيع في الناس نوع غريب من احتقار العناية بالحيوان.
لأغراض نفعية مصلحية لا إشكال عند الناس في العناية بحيوان يُدر لبنًا أو يُنتظر منه لحم، أما أن تُربي قطًا فهذا غير مفهوم عند كثير منهم.
ولأن أهواء الناس تحب أن تتوارى خلف الدين، فإن أعينهم تترقرق بالدمع الكاذب يقولون: بطون الفقراء أولى.
الناس أعداء ما يجهلون، ومن لم يعايش الزاد العاطفي الذي يستمده الإنسان من صحبة هذه العجماوات= أنكره وعاداه.
ومن لم يعايش الزاد الإيماني الذي يجنيه من استحضر أخبار النبي وأصحابه في رعاية الحيوان والرفق به= ظن أن شعبة إيمانية أخرى تُغني عنه، وشعب الإيمان تتكامل فما تجنيه من واحدة لا تجنيه من أخرى، وغالب من يعنون بالحيوان هم من أكثر الناس عطاء وصدقة، بالضبط كغالب من يدمنون الحج والعمرة هم أكثر صدقات من أولئك الذين يدبجون الخطب عن أن بطون الفقراء أولى.
أعلم أن بعض المعتنين بالحيوانات لا ينطلقون من نفس المنطلق الإيماني، بل وبعضهم لا ينطلقون من المنطلق العاطفي وإنما يحركهم التقليد ويتعاملون مع رعاية الحيوان تعامل الموضة والاكسسوار وقد رأيت كثيرًا منهم يلقون بحيواناتهم في الشوارع أيام كورونا لما شاع خطأ أنها تصيب بالمرض.
لكن وككثير من الممارسات الإنسانية، وظيفة المؤمن أن يضبطها بالمنطلق الإيماني وليس أن يعاديها لمجرد كراهية طبعه، فضلًا أن يغطي كراهية طبعه بتعلق كاذب بالدين.
أملك أربعة قطط، وأحبها حبًا جما وأسأل الله أن يحفظها علي، وأطعمها وأرعاها وأحمل معي طعامًا أطعم به قطط الشوارع؛ ففي كل كبد رطبة أجر.
وفي البخاري من حديث أبي هريرة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((قرصت نملة نبيا من الأنبياء فأمر بقرية النمل فأحرقت فأوحى الله إليه أن قرصتك نملة أحرقت أمة من الأمم تسبح الله)).
أمم تُسبح الله هذا هو الإطار الكلي الذي ينظر إليه من فقه هذا الباب، ثم يأتي بعده الأطر الجزئية التي أشرت إليها.
شعب الإيمان تتناوب، وتتكامل، والنظر فيها لا يكون إلى أي شعبة أولى في المطلق، بل النظر فيها إلى تكاملها في نفسك، وإصابتك من كل شعبة بحظ ونصيب، ثم إلى ما تجد أثره ويحركك هنا والآن، فلا تسمع لمن يزهدك في هذا، فبعض ذلك من قسوة القلب وبعضه من نفرة طبع لا اعتبار به.
تزكية النفس وإصلاح أحوالها الإيمانية أوسع من «يجوز» و«لا يجوز».
وكثيرٌ من الطاعات مما يقول الفقهاء فيه: «يجوز تركه»= لا تزكو النفس بهجرانه، وما قالوا هم بجواز تركه ليُتوسل بذلك لهجره.
لهذا، فترك نوافل العبادات ليس معصية إن نظرت له نظرا رياضيا تجريديا، لكن من حيث الواقع: فإن استدامة هذا الترك يؤدي لتوفر البيئة الصالحة لدبيب كافة أنواع المعاصي إليك.
فهذه الأبواب هي سور الفرائض، وحمى المحارم، من أضاعها= أضاع ما وراءها.
قال الإمام الشاطبي: ((إذا كان الفعل مندوبا بالجزء كان واجبا بالكل؛ كالأذان في المساجد الجوامع أو غيرها، وصلاة الجماعة، وصلاة العيدين، وصدقة التطوع، والنكاح، والوتر، والفجر، والعمرة، وسائر النوافل الرواتب؛ فإنها مندوب إليها بالجزء، ولو فرض تركها جملة= لجُرح التارك لها)).