أحمد سالم
قال تعالى: { أنزل من السماء ماء فسالت أودية بقدرها فاحتمل السيل زبدا رابيا ومما يوقدون عليه في النار ابتغاء حلية أو متاع زبد مثله كذلك يضرب الله الحق والباطل فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض كذلك يضرب الله الأمثال }.
قال شيخ الإسلام: ((فشبه العلم بالماء المنزل من السماء ؛ لأن به حياة القلوب كما أن بالماء حياة الأبدان وشبه القلوب بالأودية لأنها محل العلم كما أن الأودية محل الماء فقلب يسع علما كثيرا وواد يسع ماء كثيرا وقلب يسع علما قليلا وواد يسع ماء قليلا.
وأخبر تعالى أنه يعلو على السيل من الزبد بسبب مخالطة الماء وأنه يذهب جفاء أي : يرمى به ويخفى والذي ينفع الناس يمكث في الأرض ويستقر وكذلك القلوب تخالطها الشهوات والشبهات فإذا ترابى فيها الحق ثارت فيها تلك الشهوات والشبهات ثم تذهب جفاء ويستقر فيها الإيمان والقرآن الذي ينفع صاحبه والناس)).
قلت: تأمل كيف تذهب الشبهات وتضمحل الشهوات فقط بزيادة الحق وتناميه لا بالقصد إلى إزالتها، وهذا باب من الفقه عظيم، كاثر بالخير والحق والطاعة فالمكاثرة تداوي الخلل مداواة قد لا تبلغها المعالجة المقصودة.
مقتطفات أخرى
بعض من تعامله في هذه الدنيا، يقبل عليك ببسمته، وحلو عبارته، لكنك لو كنت فطِنًا سترى في عينه البغض وسوء الكيد.
يعطيك من طرف اللسان حلاوة ... ويروغ منك كما يروغ الثعلب
قابل الظاهر بالظاهر، واسأل الله أن يكفيك شره، ويرد كيده، وإياك أن تنخدع، لستَ بالخب ولا الخبُ يخدعك.
وإذا سألتَ كيف أميزهم؟
أقول لك صادقًا:
ستميزهم، لكن بعد أن تعطيك الحياة نصيبك من خبرة الخوازيق.
تتركز مسالك الكيد الشيطاني على الهواجس والمشاعر، هذا هو ميدان الشيطان، مشاعر الاضطراب التي تولدها الشبهات، ومشاعر الرغبة التي تولدها النزوات، ومشاعر الرهبة التي تولدها المخاوف.
الحجاج العقلي، والبناء الفطري لا يقاومهما الشيطان بأسلحة من جنسهما، بل يتركهما بيدك ويستعمل هو أسلحته الأخرى ليغزو تلك القلاع التي نقر هنا بصلابتها في نفسها..
وهذا يقودنا لما أريد بيانه هنا: فهم المشاعر والعواطف الإنسانية، وإتقان هذا الفهم، وتعلم إدارتها، والتدريب على تجويد تلك الإدارة، فهمها عمومًا، وفهم تعقيدها وتداخلها في نفسك= هو أحد أهم أسلحة المعركة مع الشيطان، والظن بأن الحجاج العقلي أو البناء الفطري يكفي في المعركة وأن اضطراب الشبهات مثلًا يكفي فيه حجاجها العقلي، وأن نزوات المتعة وأودية الخوف يكفي لعلاجها تعلم الحلال والحرام= ظن الكفاية هذا هو مفتاح هزيمة كثير من الخلق في تلك المعركة عبر تاريخها الطويل..