
أحمد سالم
معارك المزاج مؤلمة، وأكثر ما يؤلم فيها أنك لا تجد أحدًا يعترف بحقك فيها، أو يتعاطف معك مبصرًا الندوب التي تلحقك منها.
وإن كنت حي النفس كان أشد ألمًا من ذلك كله، جهادك؛ كي لا تجرح من حولك بضربات ذاك السيف الذي تُقاتل به مزاجك الأهوج هذا.
مقتطفات أخرى
للروح والنفس بناؤها العضلي كما للجسد بناؤه العضلي، ومران الجسد على تجاوز الراحة بما يستفز قدراته هو طريق بنائه، وبناء النفس إنما يكمن في اختبار الخير والشر والصواب والخطأ والنافع والضار وأي ذلك كله تختار.
وفي كل مفترق طرق تختار فيه الخيار الصائب، ومع كل محنة تعبرها بسلام صابرًا راضيًا، ومع كل تمرين عملي على فعل الخير وترك الشر= فإن قوة تحمل نفسك لاختبارات الحياة ترتفع، وقابلية بنائك الروحي لمواصلة طريق العبودية تزاداد، وبمضي عمرك وتتابع قيامك بتمارين الاختيار تصلب روحك حتى تريك منك ما لم تحسب يومًا أنه يكون منك.
رغم ذلك وكما في التمارين العضلية الجسدية: يؤدي الإسراف في حمل الأثقال، وعدم مراعاة حاجة العضلة للاستشفاء= إلى ضعف العضلة وهدمها، وكما تخور قوة الجسم فيخون صاحبه، تخور النفس وتقعد ولا تحمل ما كان صاحبها يظن أنه يؤهلها لحمله؛ جراء تلك الآصار والأغلال التي كلف نفسه حملها يحسب أنه يبنيها وهو هادمها.
الإسراف في تعريض النفس لاختيارات لا داعي لها، وتحميل كل تصرف بالقيمة بحيث يُطلب لكل تصرف إجابة نموذجية قيمية.
تمني البلاء وتعريض النفس للمحن بل لوم النفس على يسر العيش.
شهوة التشديد على النفس وحملها على مشاق قد تطيقها لكنها تهدم قابليتها للحمل على المدى البعيد.
ترك إجمام النفس بما يمتعها والترويح عنها بما يصلحها.
وبين البلاء الغالب وهو ضعف النفس وترك مجاهدتها على العمل وتربية قدرتها على التحمل بتمرينها على أنواع ومراتب الاختيارات، والبلاء الأقل بأخذ النفس بالعزائم والمشاق حتى تخور العزيمة فيقوم الليل كله وتنهدم عضلته عن صلاة الفريضة= بين هذين البلائين يٌضيع الناس نفوسهم التي هي دابتهم وسفينة رحلتهم، فهم بين متفنن في تخريق سفينته تحصيلًا لعاجل شهوته، ومنبت لا أرضًا قطع ولا ظهرًا أبقى.
ليس إذا ما ابتلى الله الإنسان فأكرمه ونعمه يكون ذلك إكرامًا مطلقًا وليس إذا ما قدر عليه رزقه يكون ذلك إهانة بل هو ابتلاء في الموضعين، وهو الاختبار والامتحان.
فإن شكر الله على الرخاء وصبر على الشدة= كان كل واحد من الحالين خيرا له، وإن لم يشكر ولم يصبر= كان كل واحد من الحالين شرا له.
ثم تلك السراء التي هي من ثواب طاعته إذا عصي الله فيها= كانت سببا لعذابه.
والمكاره التي هي عقوبة معصيته إذا أطاع الله فيها= كانت سببا لسعادته.
فتدبر هذا؛ لتعلم أن الأعمال بخواتيمها، وأن ما ظاهره نعمة هو لذة عاجلة: قد تكون سببًا للعذاب، وما ظاهره عذاب وهو ألم عاجل: قد يكون سببًا للنعيم، وما هو طاعه فيما يرى الناس: قد يكون سببًا لهلاك العبد برجوعه عن الطاعة إذا ابتلي في هذه الطاعة، وما هو معصية فيما يرى الناس: قد يكون سببًا لسعادة العبد بتوبته منه وتصبره على المصيبة التي هي عقوبة ذلك الذنب.
شيخ الإسلام ابن تيمية.