أحمد سالم

أحمد سالم

عضد الدين الإيجي.
الجرجاني.
التفتازاني.
زكريا الأنصاري.

هذه الأسماء الأربعة بينهم نوع من التقارب في الزمان، وهم أشهر أسماء علماء السنة فيما يتعلق بالعقليات، وهم الذين دارت على أسمائهم شروح وحواشي الكتب المدرسية في معظم العلوم، مع تميز للأخير من جهة ثقل اسمه في الفقه الشافعي خاصة.

يمكنك بدرجة ما أن تعتبرهم مثلًا أعلى يحلم به كل مشتغل بالتأسيس المعرفي التراثي في العلوم الإسلامية، أعني بالتحديد من الطبقة التي تعظم المتون والحفظ وتنعى على الاشتغال المعرفي التراثي المعاصر ضعف أصالته وضعف تأسيسه العقلي.

الآن أريد من العارفين بقدر هؤلاء الأربعة أن يتأملوا معي حقيقة أرجو أنه لا يسع أحد إنكارها، وهي:

أنه ليس لهؤلاء الأربعة تجديد وإبداع في العلوم الإسلامية يوازي أو يقارب ولو بصورة جزئية ما قدمه: الغزالي والرازي وابن قدامة والعز بن عبد السلام والقرافي وابن دقيق العيد وابن تيمية والذهبي والشاطبي وابن رجب والسبكي والإسنوي وابن حجر العسقلاني.

ما من واحد من هذه الأسماء التي انتخبتها عجلًا بلا طول تأمل= إلا وقدم للتراث الإسلامي وللعلوم الدينية إبداعًا أصيلًا في جهة أو أكثر، لا زالت رحى الدرس والبحث تدور حول هذا الإبداع الثري حتى الآن.

أما الأربعة الأول فباستثناء الجهود الشافعية لشيخ الإسلام زكريا الأنصاري= فليس لواحد منهم أي إبداع أصيل ثري حفظه لنا التاريخ ودارت عليه رحى البحث والتفريع والنقد، وسائر ما يحفظ لهم هو المحاكمات العقلية الصورية للعبارات، وإعادة إنتاج ملخصات العلوم واستشراحها في صور متشابهة، مع إعواز شديد في إثراء  البحث العلمي في نفس مسائل العلوم يصل عقد الإبداع والنظر الذي ابتدأه السلف وتبعهم الأئمة ووصله عِقد العلماء النقاد المجددين الذين سميتهم.

الذي أريد أن أخلص إليه هنا:

أن استنقاذ الدرس التراثي من بين أيدي ضعاف المشتغلين به من المؤسسات الرسمية والاتجاهات الإسلامية هو استنقاذ واجب إلا أن قدوته لا ينبغي أن تكون علماء التشقيق المنطقي الصوري هؤلاء؛ فإن لهذا التشقيق دورًا محدودًا في شحذ الأذهان يجب أن يتم تجاوزه سريعًا إلى نمط اشتغال العلماء المبدعين المجددين الذين يعيدون النظر والبحث ولا يتحرجون من وصل عقد الأئمة بالإنتاج الثري الذي يديم هذه العلوم حية متجددة.

ولا يقال هؤلاء مدخل لأولئك؛ فهذا لا يصلح مخلصًا مما أنكره هنا لسببين:

الأول: أنه ليس كل ما كتب هؤلاء يُحتاج إليه كمدخل لأولئك، وبالتالي فما يُحتاج إليه هو دون ما يريد أن يشتغل به الناس.

الثاني: أن الظاهرة التي أخشاها وأحذر منها هنا هي الوقوف عند هؤلاء، وهذا هو ما حدث بالفعل في القرون التي تلتهم، فقد عكف من بعدهم على حفظ كلامهم وإعادة إنتاجه، ولم يتخذوه مدخلًا ليرتقوا لغيره.

مشاركة

مقتطفات أخرى

في التحفة الفنية (Nightcrawler) يبني بطل الفيلم (لويس بلوم) رحلة تحول من لص صغير إلى صحفي تلفزيوني متخصص في تصوير الجرائم والحوادث في أول لحظات حدوثها..

يعرض الفيلم مقاطع ذكية لبلوم وهو يستمع إلى شرائط رواد التنمية الذاتية وأدبيات النجاح الأمريكية.

يبدأ بلوم في تطبيق هذه الأفكار في أبسط المواقف حتى تقوده الليالي لحادث على الطريق السريع وتنطلق منه رحلته في هذا المجال المهني، ويبدأ فيه تطبيق هذه الأفكار ويحرق في سبيل ذلك كل سفنه القيمية والإنسانية، وحش شره لكل ما يجعله أكثر كفاءة وأكثر شهرة وأكثر نجاحًا وأكثر مالًا، حتى يختم الفيلم أحداثه بتضحيته بمساعده المسكين من أجل تصوير حادثة موت لا يمكن نسيانها ولا نسيانه معها.

يقول لويس بلوم في سياق الفيلم: ((ما اؤمن به أن الأشياء الجيدة تحدث لأولئك المجتهدين فقط ، وأن أولئك الذين في القمة لم يسقطوا هنالك)).

المجتهدين في ماذا ولأجل ماذا والمضحين بماذا؟!

لا تملك هذه العجلة إجابات تعصم من توحش بلوم وأشباهه.

عجلة النجاح النيوليبرالية الرأسمالية التي تصب رصاصها في أذنك وتغشى بها عينك صباح مساء من الأنفلونسر ومتحدثي البودكاست= كلها شغل محدثين نعمة من دولة في قاع العالم الثالث عاوزين يحرقوا طبقات ويجروا لفوق بسرعة عشان يلحقوا لهم مكان في الكومبوند، يمصمصون أفواههم بثدي البقرة الرأسمالية التي يعبدونها كعجل السامري، بقرة المال والشهرة والجاه والكفاءة والنجاح الذي يدهس الحياة بقدميه.

هناك مشكلة كبيرة نعانيها كمجتمع مأنتخ قليل الفرص، وبيئة مهنية متردية، المتوسط فيه يعد متميزًا؛ لأن محدش بيشتغل على نفسه، مع ماسورة أعذار وعجز مكتسب لا تنتهي= لكن علاج ذلك لن يكون أبدًا عبر عبادة البقرة التي يجثو بين يديها صلاح أبو المجد وأشباهه.

اقرأ المزيد

الصداقة هي جوهر العلاقات كلها وبقدر عافية الصداقة تكون صحة العلاقة.

 أبوك، أمك، أخوك، أختك، زوجك، زوجتك، ابنك، ابنتك= كل دول هما أصدقاء بدرجة ما، ولو معدل الصداقة في العلاقة منخفض العلاقة كلها بتنخفض..

وجوهر الصداقة هو الشعور بفهم متبادل للطباع والاهتمامات (فهم وليس تشارك) والشعور بالأمن فلن يُكشف ظهرك أو تُخان أو تُخدع أو تُغش من جهة هذا الصديق، وتشارك الاهتمام وانسجام الطبع يوثق الصداقة لكنها ليس شرطًا لها ولا شرطًا لعمقها فقد تقوى بدونه.
جاء رجل إلى مطيع بن إياس فقال: قد جئتك خاطباً، قال: لمن؟ قال: لمودتك، قال: قد أنكحتكها وجعلت الصداق أن لا تقبل في مقالة قائل.

 ولذلك كان جوهر المودة بين الزوجين هو الاحترام وحفظ الحق، ولهذا حين قِيلَ للحسنِ بنِ عليٍّ رضي الله عنهما: «إنَّ لي بِنتًا، فمَن ترى أن أُزوِّجَها له؟» فقال: «زَوِّجْها لِمَن يَتَّقي اللهَ؛ فإن أَحَبَّها أَكْرَمَها، وإن أَبْغَضَها لَم يَظْلِمْها».

 والمحبة مع الأذى هي مرض وورم يُصور نفسه شحمًا وعافية، وأعيذك بالله أن تحسب الشحم فيمن شحمه ورم، ولأجل ذلك كان العدو العاقل خير من الصديق المخادع الجاهل، وكان بين القاضي أبي حامد المروروذي وبين ابن نصرويه عداوة، ورغمها كان القاضي يقول عن ابن نصر: والله إني بباطنه في عداوته أوثق مني بظاهر صداقة غيره، وذاك لعقله الذي هو أقوى زاجر له عن مساءتي.

ومما ضيعه الناس من معاني الكلام، معنى النصيحة، فليست النصيحة من ناحية أصلها هي أن تأمر وتنهى، وإنما النصيحة هي أن تكون معي صافيًا لا تغشني ولا تخدعني.

والصداقة فعل إنساني عاطفي، إن توفر بيننا ما يكفي من المروءة الإنسانية والأمن العاطفي فسنوفي الصحبة حقها ولن يضرنا اختلاف أفكارنا.

 وكثير من طلب الناس للاتفاق والتوافق في العلاقات منبعه فقد الأمن وخوف الخديعة، فحن نعد الوفاق ضمانة لاعتزاز المودة، والحقيقة أن الوفاق لا يضمن المودة، وأن المودة توجد رغم الخلاف، وشرطها أمر واحد: أن تكون مودة صادقة.

قال أبو محمد ابن حزم:
((محارب بن دثارأحد أئمة أهل السنة، وعمران بن حطان أحد أئمة الصفرية من الخوارج كانا صديقين مخلصين زميلين إلى الحج لم يتحارجا قطّ.
عبد الرحمن بن أبي ليلى كان يقدم علياً على عثمان، وعبد الله بن عكيم كان يقدم عثمان على علي، وكانا صديقين لم يتحارجا قط، وماتت أم عبد الرحمن فقدم للصلاة عليها ابن عكيم.
طلحة بن مصرف وزبيد اليامي صديقان متصافيان، وكان طلحة يقدم عثمان، وكان زبيد يقدم علياً، ولم يتحارجا قط.
داود بن أبي هند إمام السنة وموسى بن سيار من أئمة القدرية: كانا صديقين متصافيين خمسين سنة لم يتحارجا قط.
سليمان التَّيمي إمام أهل السنة والفضل الرقاشي إمام المعتزلة: كانا صديقين إلى أن ماتا متصافيين، وتزوج سليمان بنت الفضل وهي أم المعتمر بن سليمان.
الكميت بن زيد مضري عصبي كوفي شيعي والطرماح بن حكيم يماني عصبي شامي خارجي، وكلاهما شاعر مفلق، كانا صديقين متصافيين على عظيم تضادّهما من كل وجه .
 هشام بن الحكم إمام الرافضة، وعبد الله بن زيد الفزاري إمام الإباضية، صديقان مخلصان في دكان وأحد، لم يتحارجا قط)).

اقرأ المزيد